التعصب الحميد


بقلم الشيخ : محمد الحامد


1 ـ جاء في كلمة : آثارنا لا تغيب عنها الشمس، لأخينا الأستاذ صالح الأشتر ما يلي :
فالغربيون يزعمون أن الجامعات الأولى في أوروبا نشأت بإلهام من النصرانية ؛ فانظروا كيف تكبت الأقلام المغموسة بالهوى والجهل إلى اليوم حقائق التاريخ ولست أنا الذي أقول هذا فأنا مسلم ومثل هذا القول مني تعصب ذميم مكروه الخ».
ليت الأخ الأستاذ الأشتر استبدل بالجملة الأخيرة غيرها كأن يقول فأنا مسلم قد أتهم إن تفردت بهذه النظرة ولكن كاتباً أنكليزياً تحدث عن إثارة الرهبان رعاع الناس على كربرت الذي أسس مدرسة في إيطاليا فأحرقوا مدرسته الخ...
ذلك أن التعصب للحق حميد غير ذميم وغير مكروه وقد ألقى إلينا أعداؤنا هذه الكراهية للتعصب الديني حتى يتم لهم ما يريدون من توجيه الأجيال الإسلامية الناشئة في طريق الإلحاد ووجوهه ولن يتجهوها ما داموا مسلمين ولن يدوموا على إسلامهم ما لم يتعصبوا له ويشتدوا في الحفاظ عليه لأنه الدين الحق الذي اعتد الله به ديناً رسمياً للخليقة وغيره باطل [إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلَامُ] {آل عمران:19}.
التعصب للإسلام أن نعتقده الحق الصواب عاملين على إحيائه واعتماده نظاماً تناول كل الشؤون الخاصَّة والعامة وأن نبذل المهج والأرواح في سبيله كي تسعد به الخليقة وليس هذا الجهاد إلا تعصباً صريحاً للإسلام ودرءاً العادية المعتدين عليه الذين يريدون إطفاء نوره.


نزيح العقبات من طريق الدعوة بالجهاد ولا نكره أصحاب الملل على اعتناقه إذ لهم من تأملاتهم في محاسنه ما يدعوهم إلى الدخول فيه راضين وقد كان هذا في الفتوحات الإسلامية ألم يقل الله تعالى :[فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] {الزُّخرف:43}.وهل الاستمساك إلا تعصب، وكيف يكون استمساك دونه.
أو لم يوصنا رسوله عليه الصلاة والسلام بقوله :«... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ....» الخ.
وأي قولة تدل على التعصب الديني عملاً كهذه القولة الشريفة مع العلم بأن العمل فرع الاعتقاد وأثره.
القسمة ثنائية :حق وضلال، ولا بين بين، وقد قال الله تعالى : [فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ] {يونس:32}.
لقد ألقى الأعداء على حماسة المسلمين الدينية ماء بارداً بل جليداً جامداً فبغضوا إليهم التعصب فكانت الزحزحة وكان الإلحاد وكان ما تراه من شرور شبت عن الطوق.
إني أعلنها عصبية  إسلامية معقولة هي اشتداد في وجوب العود إلى الإسلام حكماً وعملاً ومن أحكام الإسلام الرفق بالمواطنين غير المسلمين ومعاملتهم أطيب معاملة كما يأمر الدين عدلاً ورحمة وإقساطاً وإحساناً وبراً.
قال الله تعالى :[إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] {الممتحنة:9}.
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول : «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة » و « من آذى ذمياً كنت خصمه ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة» وعمر رضي الله عنه يوصي الخليفة بعده بأهل ذمة الله وذمة رسوله عليه الصلاة والسلام.


ومن تعصب سلفنا الصالح للإسلام تسوية عمر رضي الله عنه بين علي كرم الله وجهه وبين يهودي حين اختصما إليه ليقضي بينهما وقد عتب علي بعد القضاء على عمر إذ ناداه بيا أبا الحسن والتكنية تعظيم يؤثر في قلب الخصم اليهودي انكساراً والإسلام يأمر القاضي بالتسوية بين الخصمين في الإقبال والنظر والمجلس، وقد حدث مثل هذا لأبي يوسف القاضي حين اختصم الخليقة الرشيد ويهودي إليه فجلس مجلس الحكم وأقامهما بين يديه ونادي الخليقة بيا هارون ولم يدعه بأمير المؤمنين، وقت الحكم والقضاء.


نهاية العالم
2 ـ كلمة الأخ الفضيل الورتلاني عن حرب الجزائر قوله :>.... وليس من البعيد في الوقت نفسه أن تنزل فيها ولأول مرة في التاريخ القنبلة الذرية والهيدروجينية إلى الميدان وإلى العمل ومن يدري لعلها تكون بها يومئذ نهاية العالم ونهاية الإنسانية...» الخ.
أقول: إن نهاية العالم منوطة بنفخ إسرافيل عليه الصلاة والسلام في الصور النفخة الأولى التي لا يسمعها حي إلا هلك سوى من استثناهم الله تعالى، وتسمى نفخة الصعق ثم ينفخ الثانية فيخرجون من قبورهم قال الله تعالى :[وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ] {الزُّمر:68}. وفي الحديث النبوي الشريف :> كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ فكان ذلك ثقل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل<.


إذاً فنهاية العالم ليست بالقنبلة الذرية ولا الهيدروجينية.
نعم قد تستعملان فيتخرب بها عمران كثير ولكن الحياة لا تنقطع إلا بالنفخ في الصور بل إن القرآن الكريم ليخبرنا أن هذا النفخ يكون والناس منهمكون في أعمالهم وخصوماتهم وبيتهم وشرائهم قال الله تعالى :[وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(48) مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ(49) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ(50) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ(51) ]. {يس}.. وفي الحديث الشريف ما معناه: «إنه لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما يتبايعانه ولتقومن الساعة وقد لاط الرجل حوضه ليسقي إبله فلا يسقيها».  أي: لأنه تأتي بغتة. والحاصل أن القيامة تقوم بنفخ الصور ،لا  بقذف القنابل.


الخشوع في الصلاة
3 ـ جاء فيما نشرته «الشهاب» في الخضوع في الصلاة ما يلي : «والغالب أن الخواطر لا تفسد الصلاة ما لم تكن خواطر محرمة كمن يشتغل أثناء الصلاة بالتفكير بالمحرمات أو التواء منكر».
أقول : هذا إنما يتمشى على رأي من عد الخشوع من فروض الصلاة وهم السادة الصوفية وبعض الفقهاء، ولكن الجمهور على أنه سنة فمن تفرق قلبه وشغلته الخواطر فلا فساد لصلاته ولو كانت خواطر محرمة إلا إذا ارتد عن الإسلام في أثناء صلاته فإن الردة تحبط العمل وتفسد الصلاة.


وإذا قلنا بعدم فساد الصلاة بالخواطر المحرمة وليس معناه قبول العمل فإنه لا يكتب للمؤمن من صلاته إلا ما عقل منها أي : ما خشع كما جاء في الحديث الشريف، والقبول معناه الثواب فلا ثواب لأن الله قال :[ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ] {المائدة:27}.


كما لا يعاقب عقاب تارك الصلاة لأنه أداها وهذا كمن حج بمال حرام فإنه يسقط عنه الفرض ولا قبول له وكمن صلى في أرض مغصوبة صحت صلاته ولم تقبل، أي: سقط الفرض وليس له ثواب، وهو آثم بالغصب. وكمن اغتسل بماء مغصوب خرج من الجنابة وعليه إثم الغاصب والأصل في هذا قوله تعالى :[فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ(8) ]. {الزَّلزلة}..


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين