هل نستفيد من ذنوبنا ؟ و كيف !

بقلم : يحيى حاج يحيى

في الحديث الذي رواه الإمام مسلم ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ والذي نفسي بيده ، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ،  ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون ، فيغفر لهم ]. 
 
يقول الإمام ابن القيم في كتابه [ مفتاح دار السعادة ] : [ إن الحكمة الإلهية اقتضت تركيب الشهوة والغضب في الإنسان ، وهاتان القوتان فيه بمنزلة صفاته الذاتية لا ينفك عنهما  ] ولكن المؤمن لا يقف عند الذنب ، ولا يصر عليه ، وقد جعل الله له مخرجا في الاستغفار والتوبة !
 
و المقصود كما أشار - رحمه الله - أن تركيب الإنسان على هذا الوجه هو غاية في الحكمة ، ولا بد أن يقتضي كل واحد من القوتين أثره ، ولا بد من وقوع الذنب والمخالفات والمعاصي ،  لو لم يذنب الإنسان لم يكن إنسانا ، بل يكون ملكا ، فالوقوع في الذنب من موجبات الإنسانية ! 
و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم : [  كل بني آدم خطّـاء ، و خير الخطائين التوابون  ] حديث حسن أخرجه الترمذي 
 
و لفظ [ كل ] - كما هو معلوم - يفيد استغراق وشمول ما يضاف إليه ، فأما من اكتنفته العصمة ، وضربت عليه سرادقات الحفظ هم أقل أفراد النوع الإنساني وهم خلاصته ولبه .
و لكن كيف يستفاد من الذنب ، - و هو ذنب - بعد وقوعه و بعد الإقلاع عنه ؟ و كيف يكون هذا خيرا في حقه ؟
 
يوضح الإمام ذلك بفهمه الرائع وطريقته العجيبة ، فيقول : إن الله سبحانه و تعالى إذا أراد بعبده خيراً أنساه رؤية طاعاته ، ورفعها من قلبه ولسانه ، فإذا ابتلي بالذنب جعله نصب عينيه ، ونسي طاعاته ، وجعل همه كله بذنبه ، فلا يزال ذنبه أمامه إن قام أو قعد أو غدا أو راح ، فيكون هذا عين الرحمة في حقه ، كما قال بعض السلف : إن العبد ليعمل الذنب فيدخل به الجنة ، ويعمل الحسنة فيدخل بها النار ؟! قالوا: كيف ذلك ؟ قال : يعمل الخطيئة فلا تزال نصب عينيه كلما ذكرها بكى وندم و تاب واستغفر وتضرع وأناب إلى الله ، وذلّ له وانكسر ، وعمل لها أعمالا فتكون سبب الرحمة في حقه ! ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه يمُنُّ بها ويراها ، ويعتد بها على ربه ، وعلى الخلق ، ويتكبر بها ، ويتعجب من الناس ، كيف لا يعظمونه ويكرمونه ويجلونه عليها ؟! فلا تزال هذه الأمور به حتى تقوى عليه آثارها ، فتدخله النار !
 
فعلامة السعادة أن تكون حسنات العبد خلف ظهره ، وسيئاته نصب عينيه ، وعلامة الشقاوة أن يجعل حسناته نصب عينيه ، و سيئاته خلف ظهره !!
 
إنْ تغفرِ اللهمّ تغفرْ جَمّا     =      و أيُّ عبدٍ لكَ ما ألمّا
 
 
فهل نستفيد من ذنوبنا من هذا المنطلق ؟ والله تعالى وعد الذين آمنوا و تابوا وعملوا الصالحات أن يبدل
سيئاتهم حسنات ، وهو الغفور الرحيم!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين