العبور الآمن

المحاور:

- في كل مرحلة من مراحل حياتنا نعتاد على نمط وأسلوب محدد؛ بصرف النظر عن شكل هذا النمط الحياتي وشدته أو سهولته.

- ‏ أكثر ما يزعجنا ويقلقنا هو التحول من مرحلة إلى مرحلة جديدة، حتى لو كان ظاهر هذه المرحلة خير، بل قد تكون أمنيتنا هي التحول إلى تلك المرحلة، كالطفل الذي يتشوق لدخول المدرسة، وكالطالب الذي يتشوق لدخول الجامعة، وكالخريج الذي يتشوق لدخول سوق العمل، وكالعامل الذي يتشوق للحياة الزوجية، والرجل والمرأة المتشوقان للانجاب .. وهكذا عند كل أشواقنا وحماستنا نجد شيئاً من الهواجس والمخاوف .. ونبحث عن أدوات وأسباب العبور الآمن لتلك المراحل الجديدة.

- ‏ إن إهمال وسائل العبور الآمن إلى المراحل الجديدة يهدم بهجتنا ويعكر صفونا ويجعلنا نندم على ما تمنيناه .. وربَّ امرئ حتفه فيما تمناه.

- ‏ ليس المقصود بوسائل وأسباب العبور الآمن؛ السلامة من عنصر المغامرة ونسبة التضحية والمخاطرة .. فكثير من القمم لا ينالها الإنسان إلا عبر جسر من الآلام والتضحيات .. وإنك لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبِرا.

- ‏أعظم ما ينبغي التفطن والانتباه له .. بل أخطر ما ينبغي أن يشغل بالنا هو؛ كيفية العبور الآمن من دار الدنيا الفانية إلى دار الآخرة الباقية، قال تعالى: (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا).

من أسباب ووسائل العبور الآمن من مرحلة إلى مرحلة أخرى:

1. الاعتقاد بأن دوام الحال من المحال، وأن الانتقال عبر المراحل قد يكون بإرادتنا وقد يكون رغماً عنا.

2. العمل الجاد على التحول المقصود من مرحلةٍ دنيا إلى مرحلة عليا .. والتأكد من أن هذا التحول قد يكون مكلفاً .. وعدم الذهول عند استحقاق كلفته.

3. الاستخارة بعد الاستشارة للوصول إلى أكثر الطرق أمناً وأقلها كلفة.

4. عدم الندم عند وصولك إلى منعطفات أو تحديات على الطريق، فرب ضارة نافعة، وقد يأتي الشر بالخير .. ومن رحم الحرج يأتي الفرج.

5. الانتباه إلى الصوارف والملهيات الكثيرة على الطريق وعدم الاستجابة لنداءاتها المغرية، لأن ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب، وقد (حُفت الجنة بالمكاره، وحُفت النار بالشهوات).

6. مداومة النظر والتدبر ومراجعة النفس والتحقق أثناء المسير، فلربما حصل انحراف بسيط أثناء أول المسير، تحول إلا انقلاب خطير عند الوصول (حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا).

7. عدم الاغترار بكثرة السائرين في إحدى المسارات، فالكثرة ليست دليلا مطلقا على سلامة الطريق، قال تعالى: (وما أكثر الناس ولو حرصتَ بمؤمنين).

8. الاستعانة بالصحبة الطيبة؛ فالطريق طويل وموحش، والشراكة في الخير خير (والذئب لا يأكل إلا من الغنم القاصية).

9. البدايات عنوان النهايات، والمكتوب يُقرأ من عنوانه، والشرف لا يُدرك بأدوات خسيسة؛ فالغاية لا تبرر الوسيلة، وإن كان للضرورة أحكامها .. والضرورات تبيح المحظورات، ومثلما أن الأمر إذا ضاق اتسع، فهو كذلك إذا اتسع ضاق.

10. الاستدراك على النفس مطلوب .. فقد تسلك طريقا لعشرات السنين .. ثم تكتشف بعدها طريقا أكثر أمناً وأسرع في تحقيق الغاية .. فلا تتردد في الذهاب إلى الثانية .. دون تنكُّر للأولى إن كان فيها بقية من خير.

11. ترك الظلم والايذاء لنفسك والآخرين، لأن شؤم الظلم يسلب أمن الطريق ويحيطك بالمخاوف، قال تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون).

12. قد تأخذنا الأيام والمواقف إلى طريق حسن وآخر أحسن .. وبالمقابل قد نلجأ إلى طريق سيء وأسوأ .. وهنا لابد من تفعيل فقه الموازنات الذي نقدم من خلاله الأحسن على الحسن، والسيء على الأسوأ.

13. إذا تعمد الخصوم دفعك إلى طرق وعرة فيها المخاوف .. فلا تستسلم واستعن بالله تعالى .. ثم احرص على تحويل تلك الأزمات إلى فرص، وتلك الطريق الصعبة إلى ممر آمن لك ولجميع العابرين.

14. لا متعة لنجاتك عند هلاك الآخرين، ولا قيمة لنجاة الآخرين عند هلاكك .. والطيبون لا يفكرون في نجاة أنفسهم فحسب؛ بل يبحثون عن ممرات آمنة لأهلهم وعشيرتهم ووطنهم وأمتهم والناس أجمعين.

15. لا يشغلنك واجب توسيع طريقك التي ضيقها الفاسدون، عن واجب تضييق الطرق على الفساد والمفسدين .. ففي الوقت الذي تبني فيه الكعبة، لابد أن تهدم فيه صنم.

16. قد نسلك طريقاً طويلة ومتعرجة، لكنها أكثر أمناً من الطريق السهلة والقريبة والمباشرة (رحلة الهجرة وفتح مكة نموذجا).

17. لا يمكن أن يكون في التنازل والخنوع والخضوع الذليل أمام المستبدين وأعداء الأمة باب من أبواب العبور الآمن والخلاص لقضايانا المختلفة .. لأن في الخضوع لهؤلاء ما يشبه خضوع الإنسان للشيطان، وبراءة الشيطان من الإنسان ( .. إني بريء منك ..). 

18. لا يوجد أمن مطلق في دنيا المخاوف .. وعند استشعارك الأمن والسكينة التامة فاعلم أنك على أول عتبة من عتبات الجنة .. لا حرمنا الله تعالى من رَوحها وريحانها وودها وسكينتها. 

19. أدرك الشهداء أن اقتحام المخاوف هو أعظم ممر للعبور الآمن بين دنيانا وآخرتنا، فتقدموا بكل شجاعة ولا تردد.

وختاما:

سمى الله تعالى نفسه (المؤمن)، لنستعين به في تحقيق العبور الآمن لجميع مسارات حياتنا، والعبور الآمن يحتاج إلى عين مفتوحة، قال تعالى: ( .. خذوا حذركم فانفروا ..)، ومثلما أنك تحرص وتحتاط؛ فإن شياطين الإنس والجن كذلك بالمرصاد، قال تعالى: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) .. ولكن لا حرج، فالأمن حليف المخلَصين، قال تعالى: ( .. إلا عبادك منهم المخلَصين).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين