مجادلات عقيمة حول ما ليس له قيمة

صدقوني أن أكثر مجادلاتكم، أيها الأزواج والزوجات، حول أشياء لاتستحق أن تتجادلوا حولها، ولاتتنازعوا من أجلها، فإبقاء مابينكم من مودة أهم، والحفاظ على استقرار زواجكم مقدم على محاولة الانتصار في تلك المجادلات.

لو تأملتم في كثير من أسباب تلك المجادلات لوجدتموها تافهة ليست ذات قيمة، فينبغي ألا تدعوا الشيطان يستفيد منها للإيقاع بينكم.

نسيان إغلاق الباب، أو التأخر في تلبية أحد الزوجين طلب الآخر، أو اختلاف ذوقه عن ذوق صاحبه، أو عدم اتفاقهما في الرأي حول موضوع سياسي، وغيرها من الأسباب، ينبغي أن لا نسمح لها بالنَيْل من زواجنا واستقراره.

ماذا تفعلون لتحفظوا أنفسكم وأُسركم من تلك المجادلات العقيمة حول ما ليس له قيمة ؟

لابد أولًا من الاستعانة بالله سبحانه بالدعاء أن يديم المودة بينكم، وأن يرزقكم الحِلْم والأناة والصبر.

وأن تحرصوا ثانيًا على الاستعاذة بالله من الشيطان حين يثور فيكم الغضب عملًا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه مايجد؛ لوقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد) متفق عليه.

وثالثًا أن يتخلى الأزواج والزوجات عن حرصهم على الانتصار في تلك المجادلات، وذلك باعتقادهم الراسخ أن انتصارهم الحقيقي هو في منع تلك المجادلات من إثارة البغضاء بينهم، وليس هناك من يقنعهم بذلك خيرًا من النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: (أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان مُحِقًّا) صحيح الجامع، فلنستحضِر الجائزة العظيمة التي وعد بها النبي صلى الله عليه وسلم من يترك الجدال، حتى ولو كان على حق، حتى ننجح في ترك الجدال.

ومن وسائل ترك الجدال والتوقف عنه حتى بعد الوقوع فيه : تغيير الموضوع الذي نتجادل حوله، وذلك بطرح أمر آخر يشغلنا عن موضوع الجدال ويُخرجنا منه؛ كأن يقول الزوج: لقد تأخرت عن موعدي.. يجب أن أخرج الآن، أو تقول الزوجة: القِدْر على النار يجب أن أتفقدها قبل أن يحترق الطعام... وتذهب إلى المطبخ.

ويمكن أيضًا تغيير موضوع الجدال حتى مع بقاء الزوجين معًا؛ كأن يقول الزوج : لم تخبريني عن امتحان ولدنا اليوم.. هل أجاب إجابات صحيحة؟ أو تقول الزوجة: أرجو أنك لم تواجه ازدحامًا في الطرقات خلال عودتك اليوم.

ومن وسائل إيقاف الجدال أيضًا الانتباه إلى وجود الأطفال واستماعهم إلى والدَيهم وهما يحتدّان في جدالهما وترتفع أصواتهما فيبادر أحد الزوجين إلى تذكير صاحبه بأن ولدهما يسمع جدالهما فلا بدّ من تأجيل الكلام من أجل عدم إحزانه وإقلاقه.

ويحسُن بالزوجين أن يُدركا أن مجرد مخالفة أحدهما الآخر يُنذِر ببدء جدال طويل مرير مالم ينتبها لذلك ويتفقا على أن لا يسوقهما الاختلاف إلى الجدال والبغضاء، ويتذاكرا ذلك عند كل خلاف.

ومن الأحاديث العظيمة المُنبِّهة إلى موطن مهم من مواطن الجدال وهو: تبرير الإنسان لفِعْله من ترك أمر أو مخالفة نهي؛ الحديث التالي:

ذَكَر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طَرَقَه وفاطمة وهُما نائمان، فقال: (ألاتصليان؟)، فقال عليّ: يارسول الله؛ إنما أنفسنا بيد الله؛ إن شاء أن يمسكها وإن شاء أن يُرسلها، فولَّى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضرب بيده على فَخِذِه ويعيد القول، ويقول: ?وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا? (54) الكهف.

قال العلماء: هذا الحديث نص في ذم من عارض الأمر بالقدر، فإن قوله (إنما أنفسنا بيد الله....إلى آخره) استناد إلى القدر في ترك امتثال الأمر، وهي في نفسها كلمة حق، لكن لاتصلح لمعارضة الأمر؛ بل معارضة الأمر بها من باب الجدل المذموم الذي قال الله فيه: ?وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا?.

أيها الأزواج والزوجات.. اهجروا الجدال لتسعدوا وتهنؤوا، وتستقر حياتكم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين