هل سحر النبي صلى الله عليه وسلم .؟ وكيف جاز أن يسحر ؟ ولماذا .؟

هل سُحِر النبيُّ صلى الله عليه وسلم .؟ وهل القول بأنه سحر يناقض كونه معصوماً من الناس ، أو يطعنُ في نبوته صلى الله عليه وسلم .؟ وهل التسليمُ بأنه سُحِرَ ؛ يتضمَّنُ تصديق الظالمين بقولهم { إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ؟ } ؟؟ 

وإجاباتنا على هذه التساؤلات يمكن تلخيصها بما يلي :

أولا - هل سُحِرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم .؟ 

والجوابُ : نعم إنه سُحِر ، وثبت ذلك في أحاديث لا سبيل إلى إنكارها [ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ سَحَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ ، أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهْوَ عِنْدِي ، لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا ثمَّ قَالَ : يَا عَائِشَةُ أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ ، أَتَانِي رَجُلاَنِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي ، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا وَجَعُ الرَّجُلِ ؟ فَقَالَ : مَطْبُوبٌ . قَالَ : مَنْ طَبَّهُ ؟ قَالَ : لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ . قَالَ : فِي أَيِّ شَيْءٍ ؟ قَالَ : فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ . قَالَ : وَأَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ . 

فَأَتَاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَجَاءَ ، فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ ، أَوْ كَأَنَّ رُؤُوسَ نَخْلِهَا رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلاَ أَسْتَخْرِجُهُ ؟ قَالَ : قَدْ عَافَانِي اللَّهُ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا . فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ ] صحيح البخاري .

وهذا الحديث موجود في صحيح مسلم برقم (5832) ، وفي سنن ابن ماجه برقم (3545) ، وفي مسند الإمام أحمد برقم ( 24345) ، وفي سنن النسائي الكبرى برقم (7569) ، وفي مسند أبي يعلى برقم ( 4882) ، والسنن الكبرى للبيهقي برقم ( 16936) ، وفي صحيح ابن حبان برقم ( 6583) ، وفي مسند إسحاق بن راهويه برقم ( 737) ، وفي مسند الحميدي برقم ( 275) ، وفي مسند الشافعي برقم ( 1788) ، وفي مصنف ابن أبي شيبة برقم ( 23985) ..

إذن ، إنه صلى الله عليه وسلم قد سُحِرَ يقينا ، وقد علمنا من هذا الحديثِ السابقِ ذكرُه ، والذي رُوي في كل دواوين السنَّة النبوية المعتبرة ، من صحاح وسنن ومسانيد ومصنفات ، وصار إنكارُ ذلك أشبهَ بإنكار شيءٍ بات معلوماً من أحواله صلى الله عليه وسلم كما أن الشمسَ في رابعة النهار ليس دونها غمام ، ولا ينكرها إلا معاند مكابر ، أو عدو ماكر .. 

وقد بيَّن الواقدي السَّنَةَ التي وقع فيها السحرُ [ أخرجه عنه بن سعد بسند له إلى عمر بن الحكَم " مرسل" قال فيه : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي الحجة ، ودخل المحرَّمُ من سنة سَبْعٍ (للهجرة) ؛ جاءت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم، وكان حليفا في بني زريق، وكان ساحرا، فقالوا له: يا أبا الأعصم أنت أسحرُنا ، وقد سَحَرْنَا محمداً فلم نصنع شيئاً ، ونحنُ نجعلُ لك جُعلاً على أن تسحره لنا سحراً ينكَؤُهُ .. فجعلوا له ثلاثة دنانير ] انتهى النقل من فتح الباري 10 / 226

ثانيا – ما سر إنكار المنكرين أنه صلى الله عليه وسلم قد سُحِر ؟ 

والجواب : إنهم لم ينكروا ذلك غيرةً على النبيِّ ولا على النبوة ، وإنما ينكرون ذلك للتشكيك في النبيِّ والنبوَّة .. لأن خبرَ سِحرِهِ صلى الله عليه وسلم من قِبَل اليهود ، خبرٌ ثابتٌ في البخاري ومسلم وكافة دواوين السنَّة ، والتشكيكُ فيه ، سيقود إلى التشكيك بكامل دواوين السنَّة النبوية ، ويهزُّ ثقة العامة بها . وقد بدأ هذا الشَّغَبُ منذ ظهور الشعوبية في القرن الثاني الهجري .وما زال ذلك مستمراً حتى يومنا هذا . 

وما زالت أساليبُ هؤلاء المغرضين واحدة . إنهم يخترعون الشبهات ، ويثيرونها بدعوى الدفاع عن السنة ، وتقديمهما للناس بعرض جديد ..وهم في الغالب يحاولون وضعَ المسلم بين خيارين أحلاهما مُرّ . فإما التكذيبُ بالسنة النبوية ، وإما الطعنُ بنبوته صلى الله عليه وسلم وعصمته من الناس . 

وهذا ما يفعلونه اليومَ على القنوات الفضائية ، وفي اليوتيوبات ، ويتمُّ تقديمهم باسم المفكِّر الإسلامي الشهير ، والدَّاعية الكبير ، ورائد الفكر الإسلامي المعاصر .. فيخرُج هؤلاء على الملأ بكلامٍ ليس من الإسلام في عِير ولا نفير ، وكلَّ يوم لديهم جديد من الترهات والأباطيل . ومما وصل إليَّ أمس ( يوتيوب ) يسخر فيه أحدُهم بعلماء الأمة ، ويتهمهم بالجهل والغباء ، مكذباً إيَّاهُمْ في شهادتهم لصحيحي البخاري ومسلم بأنهما أصح كتابين بعد القرآن الكريم . زاعما أنه اكتشف فيهما أكبر كذبة في التاريخ . ألا وهي (حديث) الصحيحين الذي أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِر ، وأنَّ الذي سَحَرَهُ رجلٌ من اليهود اسمه لبيد بن الأعصم .. ثم إن هذا المتعالم المنتفخ إلى قرابة (الفجور) أو الانفجار .. زعم أن هذا الحديث يكذبه القرآن . وأن مَنْ يُسَمَّوْنَ بعلماء الأمة لم يُدركوا أنه حديث مدسوسٌ في كتب السنة ، وأنَّ اليهودَ والزنادقةَ هم مَنْ دسوه ...وشَرَعَ يصوغ شبهات متلاحقة حول هذه القضية ، ألخصها وأجيب عليها بكلام مفيد بعون الله :

الشبهة الأولى : 

يقول صاحبها : إن القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم سحر ؛ فيه تكذيب مباشر للقرآن ، الذي نفى السِّحرَ عنه صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى { إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا } وقوله أيضا { وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا } ووصف القائلين صلى الله عليه وسلم بهذه الفرية بأنهم ظالمون ضالون ، قال تعالى { انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا } .

ثم تابع الرجل حديثه قائلا : وحين يجيء البخاري ومسلم فيرويان حديثاً يؤكدان فيه أنه صلى الله عليه وسلم سُحِرَ ، ويردّدان ما يقوله الظالمون الضالون بأن النبي رجل مسحور ، تتلاعبُ به السحرةُ والشياطين ، فلا بُدَّ من ردِّ هذا الحديث المناقض لكلام الله ، ولا بُدَّ من الاعتراف: بأن هذا الحديث مدسوس في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما من كتب السنة .. وأنه من تأليف اليهود.. وما أكثر ما دُسَّ في تراثنا مثلُ هذا الحديث المكذوب..

والجواب على هذا الشغب السمج : 

إن هذه الشبهة يُردّدُها المشاغبون على الإسلام وأهله، وهي تقوم على فرضية خاطئة تزعمُ ( أنَّ النبيَّ لا يجوزُ أنْ يُسْحَر ) وأيُّ زعمٍ بُنِيَ على خطأ فهو مردودٌ على قائله .

فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم بنص القرآن الكريم ليس بدعاً من الرسل ، قال تعالى { قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ } فهو صلى الله عليه وسلم بشرٌ من البشر ، يجوزُ عليه ما يجوزُ عليهم في القضايا التي لا علاقة لها بالرسالة والتبليغ . فيجوز عليه صلى الله عليه وسلم الأذى والمرضُ والموتُ عند انتهاء الأجل ، لذلك رماه سفهاء ثقيف بالحجار حتى أدموه يوم الطائف ، وشُجّ وجهه صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته يوم أحد . ومرَّ بأحوال مشابهة للأحوال التي مرَّ بها إخوانه من الأنبياء ، فهاجَرَ صلى الله عليه وسلم كما هاجرَ إبراهيمُ عليه السلام ، ومسَّهُ الضرُّ بموت أبنائه وبناته كما مسَّ الضرُّ أيوبَ عليه السلام ، وسُحِرَ صلى الله عليه وسلم كما سُحِرَ موسى يوم الزينة، حين حُشِرَ الناس لرؤية التحدي بينه وبين سحرة فرعون ضُحَى، ولما { سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } كان موسى فيمن سُحِر مع الناس واستُرهِبَ . وحين رأي حبالهم وعصيهم تتحرك وتسعى { أَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى } فطمأنه ربه بقوله { لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إنما صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } .. 

وكما حاول سحرةُ فرعون إبطالَ معجزة موسى عليه السلام بسحرهم { فغُلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين } .. فكذلك حاول اليهودُ قتل النبي أو مسَّ عقله – حاشاه - بسحرهم ، وإذهالَهُ صلى الله عليه وسلم عن تبليغ رسالة ربه ؛ ففوَّت الله عليهم مُرادَهم، ونزل جبريلُ وميكائيلُ ، فأعلماه صلى الله عليه وسلم بأنه مسحورٌ ، وأرشداه إلى مكان السحر ، ورقياه بالمعوذتين ، وشفاه الله تعالى مما أصابه ، وأبطل سحر أعدائه ورد كيدهم إلى نحرهم . فكان في إبطال السحر الذي حاربه به اليهود إحدى دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم وليس دليلا على بطلان نبوته كما يحاول تصويره لنا أعداؤنا المغرضون . 

والشبهة الثانية : 

زعم صاحب هذه الشبهة : أن الإيمان بــ ( أن النبي سُحِر ) مناقض للإيمان بقوله تعالى { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } وفسر شبهته هذه بقوله : كيف يستقيم أن يقول الله لنبيِّه : { بلغ ما أنزل إليك ... والله يعصمك من الناس } ثم يخذله ويسلط عليه لبيد بن الأعصم اليهودي .؟ حتى صار يُـخيَّلُ إلى النبي !ِ صلى الله عليه وسلم أنه فعل الشيءَ وهو لم يفعله .؟ 

ثم انتهى هذا المشكك إلى النتيجة التي أراد الوصول إليها بما رتب لها من مقدمات إلى القول : ( إن التسليم بأن النبي سُحِر ، مُـخِـلٌّ بمقام النبوة ومقام العصمة معا ، وزعم أن من يُقِرُّ بأن محمدا سُحِرَ ؛ فعليه الإقرار بأن المسيح صُلِبَ ) .!!

والجواب : إن هذه الشبهة قائمة على تصوُّرِ أنَّ النبيَّ لا ينبغي أنْ يُسلَّط عليه أحدٌ ، كائناً من كان من الإنس أو الجن . وهو تصوُّرٌ خاطئٌ ، وما بُني عليه فهو خاطئٌ كذلك . فقد سُلّط اليهودُ على الأنبياء فقَتَلوا بعضهم حتى لُـقّبُـوا بقتلة الأنبياء ، وكان زكريا عليه السلام أحدَ قتلاهم . وقد حاولوا قتل عيسى عليه السلام ، فرفعه الله إليه ، ولم يمكنهم من قتله { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ } إذن :

فيُمْكِنُ أن يُـمَكِّنَ الله تعالى أعداءه من قتل أنبيائه ، لينالوا شرف الشهادة إلى شرف النبوة ، ويكونوا أسوة لمن وراءهم من المؤمنين ؛ في الثبات على الدين ؛ ولو أدى ذلك بهم إلى بذل حياتهم في سبيل الله . 

أما قوله " بأن التسليم بسحر محمد يستلزم التسليم بصلب المسيح " فهو عبث بالعقول ، وتلاعب بالألفاظ ، ومغالطة لا يُخدع بها العقلاء . وحين نسلم بوقوع السحر عليه صلى الله عليه وسلم فنحن نعلم أن ذلك كان مجرَّد عارضٍ أصابه صلى الله عليه وسلم مدة من الزمن؛ ثم شفاه الله منه وعافاه، وأنَّ ذلك لم يؤثر على رسالته التي بعث بها .. بل إن ذلك مما خدم الرسالة ، فقد أثبتت هذه الواقعة لليهود أن محمدا نبيٌّ ، وأنه يوحى إليه ، وأنهم لن يسلطوا بسحرهم عليه . لأن الله سيمنعه منهم ويخبره بمكائدهم . 

وهنا أجدني منساقاً إلى الربط بين (قضية استخدام اليهود للسحر) في محاربة النبي صلى الله عليه وسلم و ( قضية الشاة المسمومة ) يوم خيبر ، فكل منهما صورة من صور محاربة اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم وقد علمنا أن يهودية كانت أهدت لحم شاة مسمومة للنبي صلى الله عليه وسلم ، ودسَّتْ له مزيدا من السم في ذراعها ، لأنها علمتْ أن أحبَّ اللحم إليه الذراع ، فأخبرته الذراع بأنها مسمومة ، فاستدعى النبي اليهودية وقال لها : ما حملك على هذا ؟ قالت : قلت إن كان نبيا فستخبره الذراع ، وإن كان ملكا استرحنا منه " . 

وهكذا نجد أن قيام اليهود بسحر النبيِّ كان جاريا على السَّنَنِ الطبيعي ، فاليهود هم العدو لله ورسوله ، وهم أحرص الناس على التخلص منه ومن دعوته صلى الله عليه وسلم ، وطبيعي أن يحاولوا محاربته بالسم تارة ، وبالسحر تارة ، وقد تبين لهم أن الوحي لهم بالمرصاد ، وأنه يخبر النبي بسُمِّهِمْ له ويُخبره بِسِحرِهِمْ ، ويحفظه من شرورهم .. وتلك معجزات أجراها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ، فيها تصديقٌ لنبوته ، وإرغام لأعداء دعوته .. وحجة على اليهود أنفسهم ، فقد علموا أنه لا يبطل سحرهم إلا الله تعالى ، وقد فعل .. 

شبهات أخرى : 

ثم أثار هذا الجاهل المتعالم عدداً من الأكاذيب والتفسيرات التي كان نقلها من كتاب ( اللُّبَّاد) الذي كان وضعه إبليس للنساء ، فسطا عليه هذا الأخرقُ المرموق ، وصار يخوض في دين الله تعالى ، بكلام هو أشبه ما يكون بكلام مسيلمة الكذاب .. فكان مما زعم :

1 - أن قوله تعالى ( بلِّغْ ما أنزل إليك ) نزلت منذ بدء بعثته صلى الله عليه وسلم في مكة ، وعلل ذلك بأنه لا يصح في رأيه أن يقول له (بلغ) ثم يقبضه بعد أيام ..قرر هذا .. ثم قال ساخرا : ( إيه ده احنا بنلعب ) .؟؟ .. 

أقول : وهذا كلام لا يقوله إلا أمثاله من جَوْقَةِ الشَّغَب ، فالآية هي برقم 67 من سورة المائدة، وهي سورة مدنية وليست مكية. وقوله ( من الناس ) أي من اليهود قتلة الأنبياء ، كما قال الطبري .. لهذا أرى أن يُغلقْ هذا المتحدثُ فاه . فالخرس زينٌ لمن يهرفُ بما لا يعرف .

2 – يتساءل هذا المتعالم قائلا : هل أثير حديثٌ حول السحر قبل البعثة في الجاهلية ؟ هل جرى له ذكر بعد البعثة في مكة ؟ ويجيب قائلا : طبعاً لم يجر للسحر ذِكْرٌ قط إلا بعد الهجرة إلى المدينة في حديث لبيد .. وكأنَّ هذا المشاغب يشكك في وجود السحر أصلا ، أو يرى أن عدم ذكر السحر في مكة قبل البعثة وبعدها دليلٌ على أن حديث سحر لبيد للنبي كذبٌ مخترع ..!!

أقول : وكلامه هذا مردود أيضا ، فإن المؤرخين لا يهتمون عادة إلا لأخبار المشاهير ، وطبيعي أن يُدوَّن حدثٌ يخص النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعظم البشر . وطبيعيٍّ أيضا أن لا تُدَوَّنَ أخبارُ السِّفْلة من عبدة الأصنام في الجاهلية ، ولا يُهتَمَّ بشأنها .. 

لهذا لا يُستَنْتَجُ من عدم الحديث عن السحر في الجاهلية أنه غير موجود . فهو موجودٌ من زمن فرعون بنص القرآن . ولولا وجود السحر لما نزلت سورة الفلق .. وفيها :{ من شر النفاثات في العقد } .. 

3 – قال المشاغبُ : لو كان لبيد سَحَرَ النبيَّ ونجحَ في سحره لما كفَّ عن ذلك ، ولعاد إلى سحره الكَرَّة بعد المرَّة .. ولما لم يكن قبل الإسلام حديثُ عن السحر في مكة ، ولا كان له ذِكْرٌ بعد البعثة ، إلا في حديث لبيد بعد الهجرة ، فهذا دليل واضح – في زعمه- على كذب الحديث الذي أخبر بسحر لبيد للنبي صلى الله عليه وسلم . 

وأقول في الرد على هذا الكلام : لا يستقيم هذا الهراء . فالصحيح أن لبيدا قد فعلها، ثم لم يجرؤ بعدها أن يعود إلى محاربة النبي بالسحر ، لا هو ولا غيرُه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعدما سُحِر " حدُّ الساحر ضربةٌ بالسيف " فكفَّتْ يهود أيديها، ولم تعد إلى محاربتهِ صلى الله عليه وسلم بالسحر خوفا من السيف .

4 – قال المشاغب : إن سورة { قل أعوذ برب الفلق . } فيها { ومن شر النفاثات في العقد } ونقل كلام المفسرين فيها : بأنهن السواحرُ .. ثم علق على كلام المفسرين قائلا : فإن كان النبي سُحِر بعد نزول هذه السورة وهي من أوائل ما نزل في مكة بحسب زعمه ، فمعنى ذلك أنه لا لزوم لنزولها .. ولماذا يأمره ربه بالاستعاذة من شر النفاثات في العقد ثم لا يعيذه ولا يحميه من شرهن ؟ .. وهنا عاد فاستهزأ بقول المفسرين وشكك في علمهم فقال : إنَّ مَنْ يُسمَّون بعلماء الأمَّة ؛ لم يعلموا أصلا أنَّ سورة الفلق لم تنزل في الاستعاذة من السواحر ، وإنما نزلت مشيرة إلى آية البقرة { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ } لأن النفاثات في العقد هنَّ المشَّاءات بالنميمة ، اللاتي يقطعن الروابط الاجتماعية ، فيفرقن بين الزوجين بفسخ عقدة النكاح ... 

وهنا .. لا يسعني إلا أن أضحك من هذا المخلوق [ وشرُّ البليَّةِ ما يضحكُ ] فلولا وجود السحر قبل البعثة المحمدية وإبَّانها في مكة، لما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم سورة الفلق ، التي هي أشبه بالتعويذة القرآنية من السحر .

ولكن صاحبنا قفز في تفسير { النفاثات في العقد } قفزةً ؛ لا يقدر على مثلها سوى بهلوان من مردة شياطين الإنس، من أمثاله .. فعليه من الله ما يستحق ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفيديو الذي كان سببا في كتابة المقال أعلاه

جاهل متعالم يريد التشكيك بالبخاري ومسلم فيلوي أعناق النصوص ليصل إلى غرضه الخبيث .. كل ما قاله في هذا اليوتيوب .. سوف نرد عليه إن شاء الله . 

 

خرافة سِحر الرسول صلى الله عليه و سلم(1/2) - محمد هداية

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين