الإكراه في صناعة الرأي العام

يمدنا هذا العصر بأمثلة تدلنا على أن وسائل الإعلام الجماهيرية للثقافة -عندما تحتكرها الحكومة- تستخدمها وسائل لتضليل الجماهير كأسوأ ما يكون التضليل. فلم يعد هناك حاجة للقوة الغاشمة لحمل الشعب على عمل شيء ضد إرادته. حيث يمكن الوصول إلى ذلك اليوم بطريقة مشروعة، وذلك بشل إرادة الشعب، عن طريق تغذيته بحقائق مغلوطة جاهزة ومكررة، ومنع الناس من التفكير أو الوصول بأنفسهم إلى أحكامهم الخاصة عن الناس أو الأحداث.

لقد أثبت علم نفس الجماهير، كما أكدت الخبرة، أنه من الممكن التأثير على الناس من خلال التكرار الملحّ لإقناعهم بخرافات لا علاقة لها بالواقع. وتنظر سيكلوجية وسائل الإعلام الجماهيرية إلى التليفزيون على الأخص باعتباره وسيلة، ليس لإخضاع الجانب الواعي في الإنسان فحسب، بل الجوانب الغريزية والعاطفية، بحيث تخلق فيه الشعور بأن الآراء المفروضة عليه هي آراؤه الخاصة.

وترى جميع المجتمعات الشمولية فُرصتها في التليفزيون وتندفع لاستخدامه، وهكذا أصبح التليفزيون تهديداً للحرية الإنسانية، أكثر خطراً من البوليس والسجون ومعسكرات الاعتقال السياسي. وأعتقد أن الأجيال القادمة - ما لم تكن قدرتها على التفكير قد دُمرت تماماً- سوف تُصدم باستشهاد الجيل الحالي المستهدف بدون عائق لتأثير هذه القوة الضارية التي لا رابط لها. فإذا كانت الدساتير في الماضي توضع للحد من سطوة الحكام، فإن دستوراً جديداً سنحتاج إليه لكبح جماح هذا الخطر الجديد الذي يهدد بإقامة عبودية روحية من أسوأ الأنواع.

[مأخوذ من كتاب: "الإسلام بين الشرق والغرب" لـِ: علي عزت بيجوفيتش، ص 119]

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين