معنى الحديث الصحيح

قالوا: ما معنى الحديث الصحيح؟

قلت: أطلقه أهل هذا الشأن لمعان شتى يجمعها التوثق من نسبة الخبر إلى صاحبه والتثبت فيه.

قالوا: ما أبرز تلك المعاني؟

قلت: ثلاثة.

الأول: هو الخبر المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي تتوفر فيه خمسة شروط: 1- الاتصال الواضح من دون إرسال وتدليس، 2- العدالة، وهي استقامة كل راو من رواته من البداية إلى النهاية على الصدق في القول والعمل، مشتهرا أمره بين أهل عصره، 3- الإتقان، وهو اتصاف كل راو بضبط ما يرويه إما في صدره أو في كتابه مصونا من أي تحريف أو تصحيف أو تخليط أو غفلة، وقد يترجح بعض الرواة على بعض بطول الصحبة والملازمة، 4- عدم الشذوذ، أي لا يعارض راويَه من هو أفضل منه عددا أو صفة، 4- وعدم علة خفية، أي لا بد من التأكد من أن لا يكون الخبر ظاهر الاتصال وباطن الانقطاع، وقد تكون العلة في رفع الخبر، والإدراج فيه، والتصحيف، والتحريف، والإبدال، وغيرها من العلل الخفية.

وهذا النوع هو المختص بصحيحي الإمامين الحافظين أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256)، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري (261)، لم يفتهما شيء منه، ولم يتجاوزاه إلى غيره إلا في المتابعات والشواهد والتعليقات.

الثاني: هو ما رواه الثقات وظاهره الاتصال، ويدخل فيه خبر المجاهيل الذين اعتمدهم مالك وشعبة وأمثالهما من الحفاظ النقاد.

وهو المراد بالصحيح لدى عامة المحدثين المتقدمين الإمام أحمد بن حنبل وأصحابه، وأبي داود، والترمذي، بل والبخاري ومسلم خارج صحيحيهما.

الثالث: هو ما رواه من لم يتهم بالكذب أو تخليط فاحش أو غفلة شديدة.

وهو الصحيح الذي تفرد به ابن خزيمة، والحاكم، وابن حبان وأمثالهم.

قالوا: ما لك لم تدخل الموطأ في النوع الأول؟

قلت: لأن الموطأ يشتمل عليه وعلى غيره، وكل ما كان فيه من النوع الأول فقد حواه الصحيحان.

قالوا: ما لك زعمت أنه لم يفت الشيخين شيء من النوع الأول؟ أوَ لم يثبت منهما أنهما تركا من الصحيح؟

قلت: هو ما قلت، لم يفتهما شيء من ذلك النوع، وإنما عنيا بتركهما من الصحيح ما كان من النوع الثاني منه.

قالوا: اذكر لنا مثالا على تصحيح البخاري لحديث خارج صحيحه وليس على شرط كتابه.

قلت: قال الترمذي في الطهارة، باب ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عامر العقدي، حدثنا زهير بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عمه عمران بن طلحة ،عن أمه حمنة بنت جحش قالت :كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستفتيه ... الحديث. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح ... قال: وسألت محمدا (أي البخاري) عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن صحيح، وهكذا قال أحمد بن حنبل هو حديث حسن صحيح.

قالوا: واضرب لنا أيضا مثالا لحديث صححه مسلم ولم يدخله في كتابه؟

قلت: قال مسلم في صحيحه: وفي حديث ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏سليمان ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏من الزيادة :"وإذا قرأ فأنصتوا"، وليس في حديث أحد منهم فإن الله قال على لسان نبيه ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏سمع الله لمن حمده ‏ ‏إلا في رواية ‏ ‏أبي كامل ‏ ‏وحده ‏ ‏عن ‏ ‏أبي عوانة، ‏ ‏قال ‏ ‏أبو إسحق: ‏ ‏قال ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏ابن أخت ‏ ‏أبي النضر ‏ ‏في هذا الحديث، ‏ ‏فقال ‏ ‏مسلم: ‏ ‏تريد أحفظ من ‏ ‏سليمان؟ ‏فقال له ‏ ‏أبو بكر: ‏ ‏فحديث ‏ ‏أبي هريرة؟ ‏ يعني ‏ "‏وإذا قرأ فأنصتوا" ‏ ‏فقال: هو عندي صحيح، ‏ ‏فقال: لم لم تضعه ها هنا؟ ‏ ‏قال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ها هنا، إنما وضعت ها هنا ما أجمعوا عليه. قلت: ومعنى "ما أجمعوا عليه" أي الصحيح الذي اتفق الأئمة على شروطه، وهو النوع الأول الذي سبق بيانه.

قالوا: كيف أدخلت في النوع الثاني أحاديث المجاهيل؟

قلت: إنما أدخلت فيه المجاهيل الذين اعتمدهم الأئمة من أمثال مالك وشعبة، قال الترمذي في الطهارة، باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور: حدثنا قتيبة عن مالك (ح) وحدثنا الأنصاري إسحق بن موسى: حدثنا معن حدثنا مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة من آل ابن الأزرق أن المغيرة بن أبي بردة وهو من بني عبد الدار أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ من ماء البحر ؟فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو الطهور ماؤه الحل ميتته. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وقد صححه غير الترمذي أيضًا، وقال ابن عبد البر: قال محمد بن عيسى الترمذي: سألت البخاري عنه، فقال: حديث صحيح. قلت: وسعيد بن سلمة والمغيرة بن أبي بردة فيهما جهالة، وقال ابن المديني: المغيرة بن أبي بردة رجل من بني عبد الدار سمع من أبي هريرة، ولم يسمع به إلا في هذا الحديث، فصححوا الحديث رغم جهالة بعض رواته، لأنه حديث رواه مالك واعتمده.

قالوا: ما لك قلت في النوع الثاني "ظاهره الاتصال"؟

قلت: لأنهم يصححون أحاديث المدلسين ولا يفتشون عن علة التدليس، وأمثلة ذلك كثيرة في كتاب الترمذي وغيره.

قالوا: ما لك حذفت سائر شروط الصحة من النوع الثالث؟

قلت: هو ما ذكرته لكم، وإن أردتم الحق فانظروا في تلك الكتب تجدوا فيها أحاديث الضعفاء بل المتهمين.

قالوا: أين تقع أخبار المؤخين من أقسام الصحيح الثلاثة؟

قلت: هي في المرتبة الثالثة منه، أو دونها، ففيها من المنقطعات والمعضلات والوجادات والشواذ والمنكرات والموضوعات ما لا يخفى على الناظر فيها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين