كيف أكون أبًا مثاليًّا؟ (5) والأخيرة

قال: شرحتَ لي كيف أتحلّى بالرفق في تربية أبنائي وتعليمهم، فجزاكَ الله خيرًا، وأرجو اليوم أن ترشدني كيف أُعلّمهم الرفق ليكونوا هم رفقاء بالناس .

قلت: ليس بالناس وحدهم، بل رفقاء بكل ما حولهم من بشر وحيوانات وأشياء.

قال: أشياء؟!! وهل للأشياء مشاعر حتى يتعلموا الرفق بها!؟

قلت: ألا تذكر حديث حنين الجذع للنبي صلى الله عليه وسلم ؟

قال: صلى الله عليه وسلم.. بلى أذكره.

قلت: اقرأه على أبنائك وعلِّمهم أنه ما مِن شيء في السماوات والأرض إلا يُسبِّح بحمده سبحانه.

قال: ليتك تُذكِّرني بنص الحديث

قلت: عن جابر رضي الله عنه قال: (كان المسجد مسقوفًا على جذوع من نخل؛ فكان صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صُنع له المنبر، وصار يخطب عليها، سمعنا لذلك الجذع صوتًا كصوت العشار (الناقة) حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه فسكت، وفي رواية لأنس: حتى ارتجَّ المسجد لخواره، وعن سهل بن سعد: وكثُر بكاء الناس لِما رأوا من بكاء وحنين، وعن أُبيّ بن كعب: حتى تصدع وانشق (لشدة بكائه وحنينه)، وفي رواية البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا بكى لما فقد من الذِّكر).

قال: سبحان الله، ما أعظم رفقه صلى الله عليه وسلم يرفق بكل شيء.

قلت: حتى الدراسات العلمية الحديثة تؤكّد أن النبات يشعر كالكائن الحي من إنسان وحيوان.

قال: وعلى هذا فإن الأب المثالي يستعين بهذا في تعليم أولاده الرفق بكل نبات الأرض فلا يُتلفه ولايقطعه ولايدوسه بقدمه.

قلت: نعم، هذا من الرفق الذي ينبغي على الأب أن يُربي أبناءه عليه.

قال: والرفق بالحيوان؟

قلت: غير قليل من الأطفال يؤذون الحيوانات حتى وهم يلعبون معها، ولابد من تعليمهم الرفق بها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا ويأمر به.

قال: وكيف نُعلّمهم الرفق بها وننهاهم عن إيذائها؟

قلت: لعل أكثر لهو الأطفال بالقطط، وخير حديث للنبي صلى الله عليه وسلم في التحذير من إيذائها حديثه الذي أخرجه البخاري ومسلم ، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دخَلَت امرأة النار في هرة ربطتها؛ فلم تُطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت).

قال: لاشك في أن هذا الحديث الشريف يُخوِّف من يُعذِّب الحيوان الأليف، فهل من حديث يُبشِّر الذي يرأف به ويعطف عليه؟

قلت: حديث الرجل الذي سقى كلبًا فشكر الله له وغفر له.

قال: لو تلوته علي جزاك الله خيرًا.

قلت: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما رجل يمشي بِطَريق؛ اشتد عليه العطش، فوجد بئرًا، فنزل فيها، فشرِب ثم خرج، فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خُفّه ماء، ثم أمسكه بِفِيه حتى رقى، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له)، قالوا: يا رسول الله؛ وإن لنا في هذه البهائم لأجرًا؟ فقال صلى الله عليه وسلم : (في كل كبدٍ رطبة أجر).

قال: هل لي أن أسألك عن درجة الحديث؟

قلت: أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

قال: بقي تعليمي أولادي الرفق ببعضهم.

قلت: إذا تعلموا الرفق بالحيوان والنبات فأخبرهم أن رفقهم ببعضهم أولى وأعظم.

قال: وهل من حديث نبوي في ذلك؟

قلت: أكثر من حديث؛ منها قوله صلى الله عليه وسلم : (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله) متفق عليه،

وحديثه صلى الله عليه وسلم : (إن الله رفيق يحب الرفق، ويُعطي على الرفق ما لايُعطي على العنف، وما لايعطي على ما سواه) صحيح مسلم،

وقوله صلى الله عليه وسلم : (إن الرفق لايكون في شيء إلا زانَه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه) صحيح مسلم.

قال: بعد هذا كله أجد نفسي أقول: إن الإسلام دين الرفق.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين