اسم الله الستير

قال الله تعالى : {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأعراف180، وقال عليه الصلاة والسلام : «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ» رواه الشيخان.

ومن تلك الأسماء اسم (الستير)، وهو والستار بمعنى واحد، وكلاهما من صيغ المبالغة : ( فعال ) و( فعيل) بِمَعْنى فَاعل، وقد استفدنا هذا الاسم ( الستير ) من السنة النبوية حيث روى أحمد في مسنده أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلاً يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ بِلاَ إِزَارٍ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ. أَي: من شَأْنه وإرادته حب السّتْر والصون.

وستر الله تعالى للعبد متوزع على الدارين ... في الدنيا والآخرة 

أما في الآخرة فقد ورد أن رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ الله يُدْنِي الْمُؤْمِن فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا, أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا, فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ, حَتَّى قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ قد هَلَكَ قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ, فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ, وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ فَيَقُولُ الاشْهَادُ: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}». رواه الشيخان .

وأما في الدنيا فستر الله تعالى للعبد يفوق التصورات، ويتجاوز التخيلات، ويسمو على الوصف، ويعلو على التعبير عن روعته وجلاله ... ويتجلى ذلك في يتجلى في ستر الله تعالى عيوبنا عن الناس، وإخفائه ذنوبنا وما نجترح من آثام عن أصحابنا؛ فلا يرون منا إلا كل حسن، ولا تقع أعينهم منا إلا على كل جميل من الفعال والمظاهر البادية ... ولولا أن يرخي الله تعالى علينا ستره، ويسدل علينا سجاف كرمه، إذن لهجرنا الأقربون، وتحاشى صحبتنا الأصدقاء والأهلون ...

وما أجل قول الإمام محمد بن واسع رحمه الله تعالى : لو كان للذنوب ريح ، ما قدر أحد أن يجلس إلي ...وحق ما قال... أو كان لأنواع أخطائنا ألوان إذن لعرفنا الناس من بعيد بألواننا... ولكنه فضل الله على العباد ... كي يتعايشوا... وتدوم العشرة ... وتستمر الحياة ... ولا تتعطل المصالح ... وما أروع قول القحطاني في نونيته:

يَا مُنْزِلَ الآيَاتِ وَالْفُرْقَانِ * بَيْنِي وَبَيْنَكَ حُرْمَةُ الْقُرْآنِ

اِشْرَحْ بِهِ صَدْرِي لِمَعْرِفَةِ الْهُدَى * وَاعْصِمْ بِهِ قَلْبِي مِنَ الشَّيْطَانِ

أَنْتَ الَّذِي آوَيْتَنِي وَحَبَوْتَنِي * وَهَدَيْتَنِي مِنْ حَيْرَةِ الْخِذْلاَنِ

وَزَرَعْتَ لِي بَيْنَ الْقُلُوبِ مَوَدَّةً * وَعَطَفْتَ مِنْكَ بِرَحْمَةٍ وَحَنَانِ

وَنَشَرْتَ لِي في الْعَالَمِينَ مَحَاسِنًا * وَسَتَرْتَ عَنْ أَبْصَارِهِمْ عِصْيَانِي

وَجَعَلْتَ ذِكْرِي في الْبَرِيَّةِ شَائِعًا * حَتَّى جَعَلْتَ جَمِيعَهُمْ إِخْوَانِي

وَاللهِ لَوْ عَلِمُوا قَبِيحَ سَرِيرَتِي * لأَبَى السَّلاَمَ عَلَيَّ مَنْ يَلْقَانِي

وَلأَعْرَضُوا عَنِّي وَمَلُّوا صُحْبَتِي * وَلَبُؤْتُ بَعْدَ كَرَامَةٍ بِهَوَانِ

لَكِنْ سَتَرْتَ مَعَايِبِي وَمَثَالِبِي * وَحَلِمْتَ عَنْ سَقَطِي وَعَنْ طُغْيَانِي 

فَلَكَ الْمَحَامِدُ وَالْمَدَائِـــــــــــــــــحُ كُلُّهَا * بِخَوَاطِرِي وَجَوَارِحِي وَلِسَــــــــــــــــــــــــــــانِي

فاللهم استرنا بسترك الجميل ... ولا تفضحنا وأنت رجاؤنا وثقتنا يا الله .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين