القاضي أبو النصر الخطيب والسلطان عبد الحميد

كتب جدي علي الطنطاوي فصلاً قصيراً عن عَمّ أمّه العالم المُسند حافظ الشام الشيخ أبي النصر الخطيب، نزيل حرستا وخطيب ومدرّس الجامع الأموي، الذي كان قاضياً نزيهاً نادر المثال، وقد تولى القضاء في النبك ويبرود وصور ويافا وغيرها من البلدان.

وروى عن ورعه ونزاهته قصصاً عجيبة، منها أن ناساً أهدوا إلى زوجته سواراً، وكان هو القاضي وخطيب المسجد، فانتزع السوار منها وجاء به فأخرجه يوم الجمعة على المنبر وقال: "يا أيها الناس، إن امرأة قاضيكم قد ارتشت بهذا السوار". وألقاه إلى صاحبه أمام الناس، فلم يُهدِ إليه أحدٌ بعدَها شيئاً.

قال: ووقعت له في القضاء حوادث مدهشة تدل على جرأته في الحق، منها أنه لمّا ولي قضاء يافا كانت في محكمتها دعوى مزمنة، أقامها رجل من غمار الناس على الأراضي السَّنِية. أي أنه كان يتنازع هذه القطعةَ من الأرض هذا الرجلُ العامي والسلطان عبد الحميد! وكان القضاة قبلَه يتحاشَونها ويفرّون من الحكم فيها إلى تأجيلها، وتردد الشيخ أبو النصر، ثم أزمع النظر فيها. وفتح الجلسة ووازن بين الأدلة فرأى أن الحق للرجل، فحكم حكماً يُعَدّ في ذلك الزمان من الغرائب، وكتب في رأس إعلام الحكم بدل الطُّغَراء المعروفة هذه العبارة: "آثرت ديني على دنياي، وحكمت على أمير المؤمنين السلطان عبد الحميد مبتغياً رضا العزيز الحميد".

ثم رُفعت أوراق الحكم إلى إسطنبول واطّلع عليها السلطان، فأقرّ الحكم وأمر بإكرام الشيخ وقال: الحمد لله الذي أوجد في رعيتي من إذا أخطأتُ حكم عليّ ورَدَّني إلى الحق.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين