إنكار المهندس الكيالي جميع الأحاديث الصحيحة الواردة في الصراط يوم القيامة 

هناك بعض الأخوة من أرسل لي مقطعاً جديدا للمهندس علي الكيالي نشره في شهر رمضان المبارك : يشكك فيه في الأحاديث الصحيحة الواردة في الصراط الأخروي الذي أخبرنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم .

وكل فترة يكرر المهندس الكيالي نفس الأخطاء والأباطيل التي كان قد نشرها من قبل ، ويعيدها على وسائل التواصل المختلفة ، ولا ترى فيها أي معلومات جديدة مهمة ، وكأن حضارة الأمة ونهضتها متوقفة على هذه المعلومات التي يطرحها والتي لا تخلو من تفسيرات باطلة للآيات الكريمة وإنكار للأحاديث الصحيحة .

وإنني لأعجب من المهندس الكيالي وأمثاله لماذا يثيرون هذه الشكوك في هذه الأحاديث الصحيحة التي تناقلتها الأمة عبر عصورها المختلفة ؟

ولماذا لا يسخرون جهودهم فيما ينفع الأمة في الارتقاء بها في إيمانها وأخلاقها وسلوكها ، ولماذا لا يركزون على معالجة الأمراض المتفشية بينها والتي أدت إلى تخلفها من الناحية التربوية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والصناعية وغيرها ؟؟!!!

قال المهندس الكيالي : 

( إنّ الصراط المستقيم ليس جسراً فوق جهنّم أحدّ من السيف و سيمرّ عليه كلّ الناس ) .

ثم يسخر بطريقة تهكمية بكل الأحاديث الواردة في ذلك .

#الرد_العلمي : 

1- قبل الرد على تلك الأوهام التي ينشرها المهندس الكيالي لابد من الكشف عن أسلوب ماكر يعتمد عليه في استمالة عقول متابعيه وإمعاناً في إثارتهم ليرفضوا تلك الأحاديث الصحيحة وينكروها ، وهو أنه يلجأ الى التركيز على الأحاديث الضعيفة الموجودة في كتب الحديث والتفسير في وصف الصراط بأنه "جِسْرٌ أَدَقُّ مِنْ الشَّعْرِ، وَأَحَدُّ مِنْ السَّيْفِ" فيقول : ( هل من المعقول أن يمتحننا الله تعالى يوم القيامة بالعبور على مثل هذا الصراط الذي هو أدق من الشعر وأحد من السيف فهذا يخالف العقل والمنطق ) ؟!!

وبسبب هذه الرواية الضعيفة : يترك جميع الأحاديث الصحيحة الثابتة الخالية من وصف الصراط بأنه أدق من الشعر وأحد من السيف .

وهذه أقوال بعض علماء الامة :

أ- قال الإمام أبو الحسن الأشعري: "وأجمعوا على أن الصراطَ جسرٌ ممدود على جهنم، يجوز عليه العبادُ بقدر أعمالهم، وأنهم يتفاوتون في السرعة والإبطاء على قدر ذلك" .

ب- وقال الإمام النووي: 

"مذهب أهل الحق أنه جسر ممدود على متن جهنم يمر عليه الناس كلهم؛ فالمؤمنون ينجُون على حسب أعمالهم ومنازلهم، والآخرون يسقطون فيها، عافانا اللهُ الكريم،

ج- قال العلامة ابن عساكر : 

"والإيمان بأن الصراط حقٌّ، وهو جسرٌ ممدود على متن جهنم، أحدُّ من السيف، وأدقُّ من الشعر، تزِل عليه أقدامُ الكافرين بحُكم الله - تعالى - فيهوي بهم إلى النار، ويثبت عليه أقدام المؤمنين، فيساقون إلى دار القرار

2- الاستعمال الشرعي للصراط : يطلق الصراط على طريقين :

أ‌- الطريق المعنوي :

أطلقه القرآن الكريم على العقائد والأحكام والقِيَـم والأخلاق التي جاءت في الكتاب والسنة ، مثل ما جاء في قوله تعالى : (اهدنا الصراط المستقيم) وقوله : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه)، وقوله : ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) .

ب‌- الطريق الحسي :

أطلق النبي صلى الله عليه وسلم "الصراط" على الطريق الذي يكون منصوباً على ظهر جهنم كما في الأحاديث الصحيحة، وأشار له القرآن الكريم.

3- ولكن للأسف فإن المهندس الكيالي يترك الأحاديث الصحيحة الثابتة في الصراط المتعلق بالآخرة، ويتبع عقله وهواه في إنكار بعض المغيبات التي جاءت بسند صحيح عن رسولنا صلى الله عليه وسلم.، ويوظف آيات وردت في الصراط المستقيم في أمر لا يتعلق بالصراط الأخروي الذي أخبرنا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم.

4- وقد دلت عليه بعض الآيات الكريمة على هذا الصراط الأخروي الذي جاء في الأحاديث الصحيحة كقوله تعالى (واهدوهم إلى صراط الجحيم)، وقوله تعالى ( وإن منكم الا واردها كان على ربك حتما مقضيا)، وهكذا فهمها الصحابة والعلماء ، روى ابن كثير في كتابه"البداية والنهاية" ما قاله الصحابي الجليل عبد الله بن رواحةعند الخروج لغزوة مؤتة قال : ( ودَّع الناسُ أُمراءَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وسلَّمُوا عليهم، فبكى عبدُ الله بنُ رواحة، فقالوا: ما يُبكيك؟ فقال: أما واللهِ ما بى حُبُّ الدنيا ولا صَبابَةٌ بكم، ولكنى سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آيةً مِن كتاب الله يذكُر فيها النار (وَإنْ مِنْكُمْ إلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً) [مريم: 71].

5- وقد جرى المهندس الكيالي خلف المعتزلة في القديم والعقلانيين في الجديد حكَّمُوا العقل، وجعلوه الأصل والفيصل، وقدموا العقل على الشرع وتركوا نصوصِ الكتاب والسنَّة.

6- عقيدة أهل السنة والجماعة: الإيمان بالصراط وأنه على ظهر جهنم وأجمعوا على وجوب الإيمان به ، والأحاديث الواردة في هذا كثيرة ، ومن ذلك:

أ‌- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته، ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل, وكلام الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم) رواه البخاري

ب‌- أخرج البخاري في كتاب التوحيد رقم (7440) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ رسول الله عليه وسلم : ( يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجَسْرُ قَالَ مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ تَكُونُ بِنَجْدٍ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا).

ت‌- عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال : ( و يضرب الجسر بين ظهراني جهنم فأكون أنا و أمتي أول من يجيزه و لا يتكلم في ذلك اليوم إلا الرسل و دعوة الرسل يومئذ : اللهم سلم سلم و في جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم السعدان ؟ قالوا : نعم يا رسول الله قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمتها إلا الله عز و جل تخطف الناس بأعمالهم فمنهم الموبق بعمله و منهم المجازى حتى ينجى ) رواه البخاري

ث‌- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ويضرب الصراط بين ظهري جهنم, فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها) متفق عليه .

7- هذا هو الصراط، وهذه أوصافه حسب ما ذكر عنه في الروايات الصحيحة بميزان أهل السنة، أما ما زاد عن ذلك من كونه : " أدق من الشعر وأحد من السيف" فلم يرد في حديث صحيح، وصحة الحديث شرط أساسي للإيمان بهذا الوصف، إذ الأمور الغيبية متوقفة على الخبر، لأنه المسلك الوحيد للإيمان بها.

وان الروايات التي جاءت بهذا الوصف " أدق من الشعر وأحد من السيف" ذكرت مرة موقوفة ومرات مرفوعة بأسانيد لم تخلُ من وهن وضعف.

من ذلك هذه الرواية في مسند أحمد عن طريق عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ... وَلِجَهَنَّمَ جِسْرٌ أَدَقُّ مِنْ الشَّعْرِ، وَأَحَدُّ مِنْ السَّيْفِ " فهو حديث ضعيف بإجماع المحدثين ، فالتركيز على إنكار هذه الصفة فقط لا شيء فيه .

لذلك قال العلامة القَرافي : "والصحيح أنه عريض، وقيل: طريقان، يمنى ويسرى، فأهلُ السعادة يُسلك بهم ذات اليمين، وأهل الشقاوة يُسلك بهم ذات الشمال، وفيه طاقاتٌ كل طاقة تنفذ إلى طبقة من طبقات جهنم، وجهنم بين الخَلْق وبين الجنة، والجسر على ظهرها منصوب، فلا يدخل أحدٌ الجنةَ حتى يمر على جهنم، وهو معنى قوله - تعالى : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا } [مريم: 71] على أحد الأقوال ".

وختم ذلك العلامة القرافي بقوله : 

"كون الصراط أدقَّ من الشعر وأحدَّ من السيف، لم أجدْه في الروايات الصحيحة، وإنما يُروى عن بعض الصحابة"

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين