مزيداً من النجاح في تربية أولادك

مزيداً من النجاح في تربية أولادك

 

بقلم : محمد عادل فارس 

                                                                                                                                                                       

 
أيتها الأخت الكريمة ... تعلمين أن كل شيء إنما يتمّ بقدر الله : النفع والضرر ، والحياة والموت ، والهداية والضلال ... لكننا لا نذكر هذه الحقيقة مثلما نذكرها حينما نجد في أولادنا قصوراً أو انحرافاً !.
وبمقابل ذلك لعلّكِ ، كمعظم الآباء والأمهات ، تفاخرين بمظاهر النجاح والنبوغ في أولادك ، حين تبدو في أحدهم علامات النجابة والنباهة منذ سنواته الأولى ، أو حين يتفوق في دراسته ، أو يحوز الجوائز في مسابقات حفظ القرآن الكريم ، أو المسابقات الثقافية أو الرياضية .


فحين تجدين مظاهر النجاح تفاخرين ، وحين ترين أمارات التخلف أو الانحراف تقولين : إنما الهداية بيد الله،  وقد أراد الله هذا المصير لولدي ، فماذا عساي أفعل ؟! وقد تحتجين بأن ابن نوح لم يهتد ، مع أن أباه r كان نبياً ، وبأن الله تعالى خاطب نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم فقال : } إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء { .
نعم ، إن الهداية بيد الله وحده ، ولكن الله تعالى سنّ سنناً لا تتخلّف إلا لحكمة يعلمها ، وجعل النتائج مرتبطة بالأسباب .


وارتباط الأمور بالأسباب يكون أحياناً واضحاً محدداً ، ويكون بمقدور الإنسان ، في الغالب ، أن يسيطر عليه، لدرجة أنه قد يغفلُ عن قدر الله ، ومشيئته الغلاّبة ، حتى إننا نردّد مقتنعين : " من جَدَّ وجَدْ ، ومن سار على الدرب وصل " مع أن الإنسان قد يجِدُّ ثم لا تنفتح له الأبواب .


كما يكون ارتباط بعض الأمور بشبكة معقدة من الأسباب ، نعرف بعضها ، ونجهل بعضها ، ونعجز عن السيطرة على كثير منها ، لذلك لا نجد العلاقة واضحة بين الأسباب والنتائج ... وأمور التربية من هذا القبيل .


فشخصية الإنسان تتكون نتيجة مؤثرات كثيرة جداً ، منها الوراثي ، ومنها المكتسب . ومن المكتسب ما يبدأ في الشهور الأولى من حياة الطفل ، أو في السنوات الأولى ، ومنها ما يحدث في سنوات لاحقة . ومن هذه المؤثرات ما يكون الأثر الحاسم فيه للوالدين وللأقربين ، لا سيما ما كان في فترة الطفولة ، ومنها ما تشترك فيه عوامل البيئة من مدارس الحضانة فما بعدها ، ومن الكتب المدرسية وغير المدرسية ، والصحف المجلات ، والإذاعة والتلفزة ، والكمبيوتر والإنترنت ، والشارع والملعب والسوق ...


ويبقى قدر الله هو الفاعل ، فيجعل لبعض هذه المؤثرات آثاراً عميقة لدى بعض الأفراد ، بينما يجعل لمؤثرات أخرى نتائج حاسمة في نفوس أفراد آخرين ، وكثيراً ما نجد اثنين قد خضعا لمؤثرات متماثلة أو متشابهة،  ثم اختلفت شخصية أحدهما عن الآخر ، فكان أحدهما مهتدياً ، والآخر غاوياً !!


ولكثرة ما نجد من نماذج لاختلاف أثر التربية بين فرد وآخر ، ننفض أيدينا ، ونستسلم ، ونقول : سلّمنا الأمر لله !
وبطبيعة الحال لابد من تسليم الأمر لله ، ولكن هل نكون ملومين إذا ظهر الضعف أو الجنوح في أولادنا أم لا؟ الأمر يحتاج إلى توضيح :


أولاً : إذا كانت بعض المؤثرات في نفوس أولادك خارجة عن سيطرتك ، فلا أقل من أن تهتمّي بالمؤثرات التي هي تحت سيطرتك ، وهي من أهم المؤثرات . فتوجيهات الأبوين ورعايتهما هي المؤثر الأقوى في الحفاظ على الفطرة التي فطر الله عليها ولدك : " فأبواه يهودانه ، أو ينصّرانه ، أو يمجّسانه " .


ثانياً : إنك تسيطرين على التربية البيتية ، وهي من أهم المؤثرات ، ثم إن لكِ أن تعملي بحكمة ولباقة ، على التحكم بالمؤثرات الأخرى : تعميقاً أو تحجيماً ، أو انتقاءً ، أو إلغاءً ... فمثلاً قد يمكنك تهيئة ما يناسب من كتب ومجلات وأشرطة تسجيل وأقراص C D ... لكل مرحلة من مراحل عمر الولد ... بل قد يمكنك اختيار الحي والمدرسة والأصدقاء ... المناسبين . ولنذكرْ هنا أن الإكراه والاعتساف قد يضرّان ولا ينفعان .
كما أن الحكمة في وضع بعض المال بين يدي الولد ، المناسب لمرحلته العمرية ، له دور في شعوره بالذات،  وإحساسه برعاية أهله وحبهم له ، وفي حمايته من السرف والشطط والانحراف ... مع مراعاة الحالة المادية للأسرة .


ثالثاً : إن المؤثرات التربوية في السنوات الأولى تكون عبر البيت ، بما فيه من أبوين وإخوة ... ومن يزوره من أقارب وجيران ، وما يتوافر فيه من كتب وتلفاز وكمبيوتر ... وهنا تختلط المؤثرات الداخلية البيتية بالمؤثرات الخارجية ( كالتلفاز والإنترنت ) ، وتبقى المؤثرات البيتية هي الأقوى غالباً . وكلما تقدم عمر الطفل زاد دور المؤثرات الخارجية ، وزادت أهمية رعاية الأهل ، كاصطحاب الولد إلى المسجد ، وربطه بحلقات تحفيظ القرآن الكريم ، وتسهيل اتصاله بالرفقاء الصالحين ...


رابعاً : إن استشعارك الشفقة على أولادك ، والحرص على هدايتهم واستقامتهم ، والجدية في معالجة كل انحراف ، قبل أن يستفحل ... تعدُّ من أهم الواجبات تجاههم ... فإذا قمتِ بواجباتك هذه ، ثم لم تنجحي في وقايتهم،  فأنت عندئذ معذورة أمام الله تعالى .


خامساً : دور الأهل يبقى هو الدور المحوري في تربية الأبناء . لذلك نقرأ في كتاب الله تعالى : } يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة { } وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها { ، ولذلك أيضاً جعل النبي r كل واحد راعياً ومسؤولاً عن رعيته .
وأما أن ابن نوح صلى الله عليه وسلم لم يهتد ، فلأن الله تعالى فعال لما يريد ، والمربي لا يحيط علماً بجميع المؤثرات في نفس ولده ، فضلاً عن أن يتحكم بها !


أخيراً : تكون التربية بالتوجيه المباشر والنصح والمتابعة والتبشير والتحذير ... وتكون بالأسوة الحسنة ، وبدعاء الله عز وجل لأنفسنا وأولادنا بالهداية } والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم { .
                                                                                           


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين