تخريب الدين = خراب الدنيا

- بدأت حملة تخريب الأديان وتشويهها مُنذ فترة طويلة، ذلك أن الذين تمثلوا القبح لا يحبون الجمال، والذين عشقوا الباطل يكرهون الحق، والذين تلبسوا بالشر يستفزهم وجود الخير.

- أكثر أمة تجرأت على تخريب دينها، بل تخريب أديان الآخرين، هي أمة يهود، فهم لم يكتفوا بالعبث في كتبهم السماوية وتحريفها، وتعطيل دورها ومفعولها، بل بذلوا طاقات جبارة في تخريب دين النصارى، لأجل ذلك سماهم الله تعالى: المغضوب عليهم، وسمى النصارى: الضالين، لأنهم تاهوا بعيداً، وأدخلوا الشرك على مصادر التشريع عندهم، وأنطقوا رب العزة بما لم ينطق (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا) (الإسراء: 43).

- حاول أعداء الأمة تخريب دين الإسلام، ولا يزالون، ولكن رب العزة تعهد بحفظ دينه، وحماية كتابه، قال تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف: 8)، وقال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9).

- وجد أعداء الأمة أن أساليبهم المباشرة في تخريب الدين غير مناسبة، ولا تؤتي أُكُلها كما يشتهون، بل قد تستثيرنا لمواجهتهم، انتصاراً لديننا وعقيدتنا، فعمدوا إلى استخدام أساليب باطنية خبيثة، ومن تلك الأساليب الخبيثة:

1. محاولة إظهار النصوص الدينية بمظهر التعارض، ففي القرآن ما يعارض السنة الصحيحة، وهذان المصدران فيهما ما يعارض الظواهر الكونية، وهكذا !!، والصحيح أن التعارض ظاهري، ولدى العلماء مسالك واضحة في إزالته.

2. محاولة التقليل من شأن بعض المصادر، لاسيما السنة الشريفة، وبيان أنه لا حاجة للقرآن بالسنة، فكلام الله يكفي، وهذا خبث ينفيه ما في القرآن من آيات تأمرنا بلزوم السنة الشريفة.

3. محاولة التشكيك بمصدرية ونسبة هذه المصادر، فالإسناد عمل بشري، والبشر يخطئون، وبالتالي كيف نعتمد عليهم فيما نقلوه لنا من قرآن وسنة !!، والصحيح أن الله تعالى أراد حفظ القرآن والسنة بأساليب بشرية متداولة، فالناس تحفظ أنسابها وسائر حقوقها بالسند والشهود والوثائق المتداولة، لكنه سبحانه اختار خير الناس (الثقات العدول) لحفظ دينه، وَلَو علم فيهم ضعفاً في هذا العمل الجليل لاختار وسائل أخرى حافظة.

4. محاولة التشكيك برجال الشريعة وحمَلة العقيدة، وعلماء الدين، فقد طعنوا بالرسل والصحابة، والمحدثين والدعاة والعلماء، وسعوا لإسقاطهم، أو لإسقاط هيبتهم، فعصم الله الأنبياء، وحفظ قلوب وعقول كثير من الدعاة والعلماء، وفضح على رؤوس الأشهاد من زلّت قدمه وسار وراء هؤلاء الأوغاد.

5. محاولة إقحام مصادر التشريع بآراء وأفهام ووجهات نظر وتفاسير وشروح تتعارض مع مقاصد التشريع، وتنسجم مع أهواء هؤلاء الخبثاء، ولكن الله تعالى قيّض لأمتنا علماء ربانيون جمعوا بين الأصالة والمعاصرة وعرضوا الدين بثوب متجدد يليق بخلوده وبقائه، وفق أصول محترمة وقواعد راسخة.

6. محاولة عرض الدين بصورة متناقضة بين الغلو والتمييع، والدين لا غلو فيه ولا تمييع، وكلا الأمرين تطرف مذموم .. أما دين الله فوسط، قال تعالى: (وَكَذَ?لِك جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ .. ).

7. محاولة صناعة تكتلات وفرق ومجموعات تتبنى نظرات خاصة للدين، وتحاول تعميم هذه النظرات على أساس أنها الدين الحق، فالشيعة الروافض مثلاً يَرَوْن أن النسخة التي وصلوا إليها من التدين المغشوش، هي دين الله المنزل على رسول الإسلام، وما سوى ذلك فباطل، والمنصفون منهم علموا ما عندهم من غش؛ فمنهم من تركهم جهراً فقتلوه، ومنهم من تركهم سراً، ومنهم من رضي وتابع فخسر وخاب.

8. محاولة فرض شكل من التدين الأمريكي أو الغربي وذلك بسطوة الأنظمة المستبدة، وسحر إعلامهم الخبيث، ومناهجهم المضلِّلة، وتزيين علماء السلاطين، ودعاة المكياج الزائف، ولكن فطرة الناس ترفضهم، ورصيدهم من معرفة الدين الحق تزجرهم، وإن كانت خطورتهم كبيرة، وتأثيرهم السيء ظاهرٌ ومعلوم.

9. محاولة هدم التراث وتدميره، بحجة الحاجة للتجديد، وتقدم الحداثيين في هذا الباب، بصورة الناصح الأمين لدين الله تعالى، صحيح أن تجديد أمر الدين مطلوب ولازم، ولكن من أحدث في أمر الدين ما ليس منه فهو ردٌّ، والحاجة لتجديد عرض الدين أكثر من الحاجة لتجديد مضمونه ومحتواه.

10. محاولة التخفيف من هالة وهيبة وقداسة المقدسات والشعائر في نفوس الناس، بإهمالها، أو تسليط الأضواء عليها باعتبار أنها هي سبب ما نحن فيه من أزمات وضعف وتخلف واختلاف.

11. محاولة فصل الدين عن سائر مجالات الحياة، فلا علاقة للدين بمنظومة الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي .. والدين مسألة شخصية وسلوك فردي خاص بصاحبه، ولو افترضنا بأن ذلك صحيح، فهل فعلاً يحتمل الدين هذا؟ وهل يمكننا تطبيق الدين بشكل شخصي وبمعزل عن المجتمع، وهل سيتركنا الساسة والاقتصاديون والتربويون وشأننا كما نتركهم وشأنهم!!!

- مما يدلك على عظمة هذا الدين؛ أنه لا يزال راسخاً ثابتاً رغم ما سبق من محاولات تخريبه سالفة الذكر وغيرها (فالله خَيْرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين).

- ينبغي أن يدرك المسلمون أن تخريب دينهم يعني بالضرورة تخريب دنياهم، وتخريب آخرتهم، وهذا أخطر ما في المؤامرة، بحيث يظل المسلمون عبيداً لأسيادٍ خبثاء في الدنيا وحطباً لنار جهنم في الآخرة.

- من صور خراب الدنيا الناتج عن خراب الدين ما يأتي:

1. غياب قيمة الجودة والإتقان من حياتنا لغياب الوازع الديني لدينا.

2. اضطراب أسواقنا واختلال موازيننا لقبول الربا، والربا المركب في معاملاتنا.

3. تصدُّر الخبثاء والضعفاء في مختلف المناصب بسبب تحييد معايير الاختيار الشرعية في مواقعنا.

4. شيوع الزنا والشذوذ والقطيعة والعقوق والتمرد الأُسَري، بسبب تغييب منظومة الفكر الاجتماعي القرآني والنبوي من حياتنا.

5. الاجتراء على حقوق الآخرين بالسلب والنهب والسطو والعربدة، بسبب تعطيل الحدود والقصاص في محاكمنا.

6. شيوع الخيانات بأنواعها والنفاق بصوره، بسبب غياب قيمة تعظيم الشريعة في حياتنا.

7. التبعية المطلقة للآخرين وتحولنا إلى أمة مستهلِكة مستهلَكة، نتيجة تحييد الحكم بما أنزل الله في سائر شؤوننا.

- من أخطر الأحاديث التي تبين أثر تخريب ديننا في خراب دنيانا، ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ؛ 

- لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا،

- وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ،

- وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا،

- وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ،

- وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ) (رواه ابن ماجة والحاكم).

- وقد يسأل سائل في السياق نفسه؛ ما بال الغرب خرّبوا دينهم، فلم تخرب دنياهم، بل على العكس فإننا نرى دنياهم عامرة؟

- والجواب على هذا السؤال المهم من أوجه عدة:

1. أن قياس عمار دنياهم على خراب دنيانا لا يصح، لأنهم لو آمنوا وأحسنوا إسلامهم لرأوا جمالاً وتفوقاً وتألقاً في دنياهم أعظم بكثير مما وصلوا إليه اليوم .. ولأدركوا أن العمار القائم لديهم بلا إيمان ما هو إلا خراب لو قورن بالعمار مع الإيمان، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْض) (الأعراف: ??).

2. أن من سَنَن الله الكونية استدراج الفاجرين، وإمهال المتكبرين، فلا يجوز اعتبار مرحلة من مراحل صعودهم، وهم على ما فيه من كفر وعهر نهاية المشهد، ولا يعد عماراً للدنيا أن يضاء مرحلة من مراحلها ثم ما تلبث إلا ويأتيها الظلام والدمار، قال تعالى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) (الأَنْعَام: 44).

3. أنَّ عمار الدنيا لا يتحقق بإقامة الجانب المادي وهدم الجانب النفسي، وإلا فما معنى الحياة إذا كنت حزيناً مكتئباً وأنت تسكن قصراً مشيداً؟! .. 

لقد صار الانتحار في بلادهم ظاهرةً طاغية، ومن لم ينتحر منهم فإنه يغيب عقله طويلاً في السكر وأنواع المخدرات، وذلك بسبب جفاف روحي وجفاء اجتماعي صاروا إليه، نتيجة تخريب دينهم وعدم الاستجابة لديننا.

4. أن أي مجتمع يقيم حياته على المصالح المادية السطحية دون الوازع الديني العميق، سرعان ما ينهار بزوال تلك المصالح، بل إن تعارض مصالحهم أدت إلى صراعات دامية بينهم، لا تزال آثارهم حتى اليوم.

5. أن شؤم محاولات تخريب زعمائهم وكبرائهم لديننا ودنيانا لن يزال بهم حتى يهلكهم، وما رفعُ درجات الاحتياطات الأمنية في حياتهم إلى أبعادها القصوى إلى بسبب خوفهم من الانتقام .. فالظالم لا ينام، قال تعالى مبيناً حال أسلافهم الظالمين: (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا  إِنَّ فِي ذَ?لِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (النمل: 52).

6. أنهم تعرضوا ولا يزالون يتعرضون إلى هزات وزلازل طبيعية وأخرى اجتماعية وثالثة اقتصادية وسياسية تفسد عليهم متعتهم، وما الأمراض العضوية والنفسية فيهم إلا شكل من أشكال الخراب، وصدق الله وهو يؤكد الرابط بين الكفر وخراب البيوت: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) (ابراهيم: 28).

- وختاماً: لا فصل في عقيدتنا بين ديننا ودنيانا، فعمار الدين عمار للدنيا، وعمار الدنيا عمار للدين، والعكس صحيح، وقد خلقنا الله تعالى لتعظيمه، ولا يتحقق هذا المقصد الشريف إلا بتحقيق العبادة التي نعمر بها نفوسنا، استعداداً لإعمار الأرض وفق الشريعة التي هدانا إليها ربنا .. وإلا فالعار والدمار والخراب مصير المنحرفين عن النهج القويم، وإن رأيتَ خلاف ذلك فكذّب عينك، وصدّق ربك، فإنك مخدوع، قال تعالى: (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ  وَبِئْسَ الْمِهَادُ) (آل عمران: 197)، وقال تعالى: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ  إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة: 55).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين