رمضان شهر الدعوة إلى الله

 

والدعوة إلى الله تعني العمل على كل ما يرفع من شأن هذا الدين القويم وينشره بين الناس، ويخلصه من كل الشوائب والشبهات، ويدعو إلى التمسك بمنهجه القويم، القائم على كتاب الله وسنة نبيه، 

وقد كثرت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة الآمرة بالدعوة إلى الله، والمنوهة بشأنها، والمحذرة من التخاذل في تبليغها، والمبينة لفضائلها وعظيم ثوابها عند الله تعالى، فجاء الأمر بالدعوة إلى الله باللفظ الصريح، في قوله تعالى: {ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ}[النحل:125] ، وردت بلفظ التبليغ بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [المائدة 67] ، وهداية رجل واحد خير من الدنيا وما فيها، وهذا ما وجّه إليه النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً بن جبل عندما بعثه إلى اليمن، وأمره بالدعوة إلى الله، فقال له: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها"[متفق عليه] ، "ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً" [رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة، وتتمة الحديث (ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)].

والدعاة إلى الله هم أرحم الناس، وأزكاهم نفوساً، وأطهرهم قلوباً لأنهم القائمون بأمر الله تعالى، وهم ورثة الأنبياء في تبليغ الناس رسالة الله تعالى، ومما لا شك فيه أن الذين يبلغون هذه المنزلة من الدعاة، هم الدعاة الأتقياء الصادقون المخلصون في دعوتهم، المراقبون الله في أعمالهم وأحوالهم، والمتسلحون بالعلم والعمل والصبر والحلم والتقوى وحب الناس واللين لهم، والرأفة بهن، والتواضع لهم، والحرص على هدايتهم والتقرب إليهم، مع التمسك بالمنهج القويم، الذي شرعه الله سبحانه في كتابه، وبينه النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، أولئك الذين يدعون إلى الله على بصيرة وهم مفلحون حقاً. 

وشهر رمضان فرصة سانحة لهؤلاء الدعاة، ومناسبة عظيمة لعملهم في الدعوة إلى الله عز وجل، وأرض خصبة لنشر هذه الدعوة وتبليغ الناس، وإرشادهم لما فيه سعادة الدارين، ذلك لأن قلوب الناس مفتّحة لتلقي الموعظة، ومستعدة لقبول الدعوة، ومتهيئة للسير على المنهج القويم الذي شرعه الله، وذلك بما هيأه الله لهم من فتح أبواب الرحمة وإغلاق النيران، وتصفيد الشياطين وإغلالهم. 

ولهذا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يستغل هذا الشهر المبارك ويكثر فيه من لقاء أصحابه، ويدعوهم إلى الله فرادى ومجتمعين، ليعمق في قلوبهم الإيمان بالله تعالى فيقول لهم: "من صام رمضان إيماناً واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه" [رواه البخاري في الصوم رقم (1901) ومسلم في باب الترغيب في قيام رمضان رقم (759).] ، ويحضّهم على عمل الخير فيه ويدلهم على سبله وأبوابه، فيقول: "واستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما، وخصلتين لا غناء لكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار"[ قطعة من حديث رواه أبو خزيمة، تقدم تخريجه. ] ، وها هو يخاطب معاذ بن جبل رضي الله عنه: "ألا أدلك على أبواب الخير؟.. الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.." [قطعة من حديث رواه الترمذي.].

وبين لهم المنح العظيمة التي امتن الله بها على عباده في رمضان، فيقول: "أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهن أمة قبلهم: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الحيتان حتى يفطروا، ويزين الله عز وجلّ كلّ يوم جنته، ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة، ويصيروا إليك، وتصفد فيه مردة الشياطين، فلا يخصلون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة، قيل: يا رسول الله؛ أهي ليلة القدر؟.. قال: لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله"[ رواه الإمام أحمد والبيهقي وابن حيان وغيرهم وانظر الترغيب والترهيب 2/114. ] ، 

وقد اتخذ صلى الله عليه وسلم في سبيل الدعوة إلى الله في رمضان مختلف أساليب الدعوة، فمن التقرير والتنبيه، إلى الوعظ والإرشاد، إلى الترغيب والترهيب، إلى الخطابة، إلى غير ذلك من أساليب الدعوة التي تناسب المقام. 

وقد يقول قائل: ومالنا نحن والدعوة إلى الله؟.. وهي من عمل العلماء والشيوخ والمتخصصين، وهذا مزلق من مزالق الشيطان، ليبعد المسلم عن واجبه في الدعوة إلى الله، فالدعوة إلى الله مسؤولية عامة المسلمين، كلّ حسب موقعه، يدعو إلى الله، انطلاقاً من المسؤولية التي ألقيت على عاتقه مستجيباً لقول النبي صلى الله عليه وسلم، "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..." [رواه مسلم].

فكل مسم يمكنه أن يبذل الجهد في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الرجل في أسرته وأولاده، والمرأة في بيتها وبين أخواتها من النساء، والطالب في مدرسته وجامعته، والعامل في معمله وبين إخوانه من العمال، وكذلك الموظف والفلاح والمثقف، والتاجر الذي آتاه الله بسطة من المال، يمكنه أن يخدم الدعوة إلى الله بماله، فيسهم في كفالة الدعاة وطلاب العلم، ويشارك في طباعة الكتب النافعة... فيدخل بذلك في زمرة الدعاة إلى الله ومن منّ الله عليه بالجاه، فيبذله في تيسير أمر الدعوة والدعاة إلى الله، يكون بذلك داعياً إلى الله، والمهندس الذي أعطاه الله علماً بشبكات الاتصالات (الإنترنت)، يمكنه أن يجعل من ذلك وسيلة لنشر الدعوة إلى الله، ويبثّ على هذه الشبكات ما وسعه من الخير، ويرد فيها على شبهات الملحدين والمشككين، الذين يحاولون النيل من ديننا ورسولنا عليه الصلاة والسلام، وهو أمر ميسّر له، والطبيب الذي يعالج المرضى، وينظر بعين الرحمة والعطف إلى الضعفاء والمساكين، وينصح المسلمين بعلمه وخبرته يكون بذلك داعياً إلى الله... 

وهكذا يكون شهر رمضان فرصة طيبة لاجتماع الأمة، وتعاونها في سبيل الدعوة إلى الله ونشر دينه، ومنهجاً واضحاً لاستباق الخيرات والعمل الصالح، فيتعاون كلّ أفراد المجتمع في تحبيب الناس بربهم، وتقريبهم منه وفي نصح الغافلين، وتذكير الناسين، وتعليم الجاهلين، ورد الضائعين التائهين إلى منهج الحق والرشاد، فتستحق بذلك الخيرية التي وهبها الله لها بقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ولَوْ آمَنَ أَهْلُ الكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ المُؤْمِنُونَ وأَكْثَرُهُمُ الفَاسِقُونَ (110)} [آل عمران : 110]. 

المصدر : كتاب (رمضان منهج متكامل في تربية الفرد وبناء المجتمع)

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين