أيها الزوجان لماذا تصدقان ؟!

لا شك في أن العنوان يستنكر على الزوجين ! 

لكن ماذا يستنكر؟ الصدق أم التصديق ؟ 

أي : هل ضَبْط ( تصدقان ) : ( تُصَدِّقان ) أم ( تَصْدُقان ) ؟

وأُجيب : أُريدهما معاً ، أي أني أريد من الزوجين أن لا يُصدِّقا كل شيء يسمعانه ، و أن لا يَصْدُقا في كل ما يقولانه !

أما الأولى فإني أريد بها أن يكون كلا الزوجين حذِراً من اعتبار كل مايسمعه من الآخرين حقاً ، أو مفيداً ، أو صائباً ، فكم من الرجال والنساء مَنْ تلقّى اقتراحاً بفعل شيء حسبه نصيحة مفيدة ، فإذا به يدمّر حياته الزوجية ، مِثْل مَنْ تناول دواء اقترحه عليه من ليس طبيباً ، فأضرّه بدلاً من أن ينفعه ، وأوجعه بدلاً من أن يعالجه.

لهذا أنصح الأزواج والزوجات : اسألوا أهل الذكر ، أهل الاختصاص ، ولا تسألوا من لا عِلم له ولا خبرة ، حتى ولو استفاد هو مما أشار به عليكم لتفعلوه ، فقد يكون نَفَعَه هو ، و لكن هذا لا يعني أن ينفعكم أنتم ، فالناس مختلفون ( الناس معادن ) كما قال صلى الله عليه وسلم ، يتفاوتون في أخلاقهم ، وطبائعهم.

أما الثانية "لماذا تَصْدُقان" فأريد بها من الزوجين أن لا يُعبِّرا بصدق عن مشاعرهما السلبية ، وأن لا يكونا صريحين صراحة فجة في نُصح كل منهما للآخر ؛ بل لابد من تغليف النصيحة بغلاف من اللطف و المودة و الرفق ، كما يغلفون أدوية مُرَّة المذاق بغلاف حلو الطعم حتى يسهل تناولها.

إن الصدق الذي يحمل نقداً أو توجيهاً أو تعليماً ، لايقبله كثير من الرجال وخاصة حين يصدر عن زوجاتهم ، وكذلك لا تقبله كثيرات من النساء وخاصة حين يصدر عن أزواجهن !

ولهذا ينبغي تغليف هذا الصدق - الذي يكون مؤلماً أحياناً - بشيء من الرفق و اللطف و المداراة ، حتى يتقبله الآخر ، ولا يضيق به.

فكيف نُغلِّفه ؟ و بم نغلفه حتى يكون مُتقبَّلاً ممن يسمعه ؟

هذه بعض الأغلفة التي تخفف من مرارته : 

- جعله غير مباشر

أي عدم توجيهه إلى الزوج مباشرة ، بل عن طريق خطاب غيره به ولكن على مسمع منه ، كأن يخاطب الرجل أولاده طالباً منهم ترك عادة اعتادتها زوجته أكثر من أولاده ، فيوجِّه نصحه إليهم على مسمع من زوجته ، بدلاً من أن يوجهه إليها مباشرة ، وكذلك تفعل الزوجة فتوجِّه نصحها إلى أطفالها وتريد به زوجها الذي يسمعها ، كأن تقول لهم : لا يدخل أحد غرفة النوم حتى لا توقظوني ، أريد أن أنام قليلاً لأنني مرهقة جداً.

وكثيراً ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجه نصحه إلى الصحابة ويريد به أناساً بعينهم ؛ لكنه لا يسميهم مراعاة لهم ، ورفقاً بهم ، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل الشيء ؛ لم يقل : ما بال فلان يقول ؟! ولكن يقول : ما بال أقوام يقولون كذا وكذا ) صحيح الجامع .

ولقد أورد أبو داود هذا الحديث في باب : حسن العشرة ، وسمَّى البخاري أحد أبواب صحيحه : باب من لم يواجه الناس بالعتاب.

- البدء بالثناء

فيحرص من يريد أن ينصح من الزوجين أن يبدأ بالثناء أو الشكر أو التقدير قبل أن يُعبِّر عن عتبه أو توجيهه أو نُصحه ، كأن يقول : لاشك في أن ما أجده من اهتمامك ورعايتك وصبرك كثير جداً ، لكن هناك شيئاً أرجو أن لايضايقك مفاتحتك فيه وهو.......

إن مثل هذا الثناء أو الشكر أو التقدير يشبه التخدير الذي يقوم به الطبيب قبل إجرائه جراحة ما تسبب ألماً ، فإن التخدير يمنع الإحساس بالألم ، وكذلك الثناء يمنع الإحساس بألم النصح أو النقد .

- إظهار خشية تقديم النصح ؛ كأن يقول أحد الزوجين للآخر : أريد أن أبدي رأيي في .... ولكني أخشى أن أُضايقك بكلامي !

فهذا التمهيد يهيئ الزوج الآخر لاستقبال الرأي أو الملاحظة أو النصيحة استقبالاً راضياً لا ضيق فيه ولا غضب.

ويُتوقع أن يرد بمثل العبارة التالية : لا ، لن أتضايق من كلامك.

هكذا إخوتي الأزواج والزوجات ، نحتاج جميعاً إلى الرفق في تعاملنا ، وإلى اللين في حديثنا ، وإلى الرحمة فيما بيننا ، وإلى الحب في قلوبنا ، وإلى خفض جناحنا لبعضنا .. حتى يستقر زواجنا و تهنأ حياتنا و تسعد أوقاتنا .. فيبتعد عنّا النزاع والشقاق ، ويقترب منّا الودّ والوفاق ، فلا نصل إلى الطلاق.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين