ظواهر سلبية في رمضان(4) (مخالفة: مَهْ.. عليكم بما تطيقون)

هذا كان إرشادَ الحبيب صلى الله عليكم وسلم، لمن يكثرون من العبادة إلى حدِّ إرهاق أجسادهم، وتحميلها ما لا تطيق المداومة عليه.. وهل هناك أجلّ من أن يقف العبد بين يدي خالقه، مناجيا وباكيا، ساجدًا وقائمًا، يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه؟!! ورغم ذلك فنبيّنا المعلم الأعظم، صلى الله عليه وسلم، حين علِم حال امرأة من صحابته، كانت قاعدة عند زوجته، حاكية لأمنا عائشة الطاهرة، عن كثرة صلاتها، ووفرة عبادتها؛ نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الإكثار إلى حدِّ الإرهاق، وقال: (مَهْ عليكم بما تطيقون فوالله لا يملُّ الله حتى تملوا) أي: كُفّوا ودَعوا المبالغة في نوافل العبادة، ولتكن عبادتكم متَّسمة بضابط مهم؛ ألا وهو (إمكانية الاستمرار والمداومة).. لئلا ينقطع فضل الله عنكم بقَطعكم عبادتَكم.. وهذا الضابط ليس لنوافل الصلاة فحسب؛ بل للنوافل كلها، على اختلاف أنواعها، وتعدُّد أشكالها.. أما حال كثير منا في شهر رمضان؛ فتراه أول الشهر قد برّح به الشوق إلى الشهر الكريم، فهو مقبل على العبادة بكلّيّته.. يتلو كلام الله ساعات وساعات.. ويُسبِّح ويستغفر بالألوف لا بالمئات.. ويُكثر من الركعات.. حتى يبلغ الأمر ببعضهم إلى إهمال أسرته، وبعض واجباته.. ثم ما إن يَمض ثلث رمضان أو نصفه؛ حتى يتسلل الملل إلى فؤاده، ويغزو الإنهاك جسده، وتنحسر نفسه، وتتراكم الواجبات عليه، فيصبح متمنيًا سرعة انقضاء رمضان، راجيًا زوالا عاجلا له.. ولو امتثل الإرشاد المحمديَّ المبارك لكان حاله خيرًا من ذلك: (عليكم بما تطيقون).. ثم تُتبِع الطاهرة المصون عائشة ذلك بقولها عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وكان أحب الدين إليه: ما دوام صاحبه عليه"، حتى ولو اقتضى الاستمرار تقليلا من نوافل العبادة فلا حرج، بل هو أفضل من الحماس المصحوب بإكثار، يتلوه فتور وانحدار.. فقليل دائم: خير من كثير منقطع.. (فوالله لا يمل الله حتى تملوا)..

رزقنا الله الحكمة والسداد في القول والعمل.. وجنبنا الخطأ والزلل..

وكل عمل صالح ونحن أشد إقبالا على الله..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين