رسول مختار لأمة مختارة

رسول مختار لأمة مختارة

اختار الله تعالى لهذه الأمة أن تكون آخر الأمم وأفضلها، وأول الأمم دخولاً في الجنة وأسبقها، واختار لها سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً، وهو آخر الرسل وأكرمهم على الله تعالى، وقائد الرسل في دخول الجنة.

اختار الله تعالى لهذه الأمة الشريعة الكاملة فلا مكان لعيب أو عور، وأن يكون إسلامها الشريعة التامة، فلا مجال فيها لنقص أو خلل .

اختار الله تعالى لهذه الأمة الخاتمة مزايا لم تكن في سالفاتها من الأمم، فجعلها أقصر الأمم أعماراً وأفضلها أعمالاً، وأكثرها جزاء، وجعل كتابها الرقيب المهيمن على ما سلفه من الكتب المنزلة، وجعله حكما لما اختلفت فيه سابقات الأمم، وجعل رسولها إلى العرب والعجم من بني آدم، من حين بعثته إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، قال تعالى: ( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير) .

اختار الله تعالى لهذه الأمة أن تكون أمة وسطاً، وجعل شريعتها كذلك، وبين المراد بذلك كي تكون شاهدة للرسل السابقين، بتبليغ شرائع الله تعالى، وشاهدة على الكافرين في تكذيبهم أولئك الرسل عليهم الصلاة والسلام، قال الله تعالى: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ).

اختار الله تعالى لهذه الأمة الاهتداء إلى يوم الجمعة تجتمع فيه على الصلاة وسماع الذكر بعد أن أخطأته سالفات الأمم، ويوم الجمعة سيد الأيام، قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه) قال: ( صلاتكم معروض علي) قالوا: يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ -يقولون: بليت- قال: ( إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء).

اختار الله تعالى لهذه الأمة ودينها الظهور على كل دين وأمة، والنصر على كل دعوة وملة، قال الله تعالى: ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً )، والوصول إلى كل صقع من الأرض قريب أو بعيد، قال صلى الله عليه وسلم: ( إن االله تعالى زوى لي الأرض، فأريت مشارقاً ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها) .

اختار الله تعالى لهذه الأمة أن يكون هلاك اليهود وخلاص البشرية من شرورهم على يديها، قال صلى الله عليه وسلم: ( لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبد الله هذه يهودي خلفي فتعال فاقتله ) ().

واختار الله تعالى لهذه الأمة أن لا يهلكها بعذاب مبين على ذنوبها كما فعل بالأمم السابقة، وأن لا يسلط عليها من يستبيح بيضتها من عدوها بذنوبها كذلك، وإنما يبلوهم بالشر والشدة والجوع والخوف، ونقص من الأنفس والأموال والأولاد، وتسليط العدو على بعضهم وعلى بعض أرضهم إلى حين يتعظوا ويراجعوا دينهم، كما قال تعالى: ( وما نرسل بالآيات إلى تخويفاً ) .

واختار الله تعالى لرسول هذه الأمة أن يكون سيد الرسل، وأكرم الخلق على الله تعالى، وأول من يدق باب الجنة، فتفتح له، ويقال له: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك، قال صلى الله عليه وسلم: ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يدق باب الجنة فيفتح لي، ويقال بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك ).

اختار الله تعالى لرسول هذه الأمة الهادية ما ذكره صلى الله عليه وسلم نفسه: ( أعطيت خمساً لم يُعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب من مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة) (). 

اختار الله تعالى لرسول هذه الأمة أن يكرمه بالإسراء والمعراج كما ذكر ذلك في القرآن صراحة في الإسراء، وإشارة في المعراج. حتى يكون من أنكر وقوع الإسراء بالروح والجسد كافراً خارجاً عن الأمة لأنه كذب ببعض القرآن، والتكذيب ببعضه تكذيب به كله، كما قال تعالى: ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة تردون إلى أشد العذاب، وما الله بغافل عما تعملون ) .

اختار الله تعالى لرسول الله هذه الأمة السعيدة أن تكون شريعته تمام الشرائع ورسالته ختام الرسالات، قال صلى الله عليه وسلم: ( إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة، قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين ) () .

اختار الله تعالى لرسول هذه الأمة الرشيدة أن الله تعالى أخذ عهود رسله السابقين له وأقوامهم أن بعث فيهم رسولنا صلى الله عليه وسلم أن تؤمنوا به وتنصروه وتتبعوا النور الذي أنزل معه، قال الله تعالى: ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنهن قال أأقررتم وأخذتم على ذلك إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم ممن الشاهدين ) .

اختار الله تعالى لرسول هذه الأمة أن يحفظ دينه في كتابه تعالى، وسنة رسولهr، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلا تبدل ولا تضيع، ولا يحاول محاول ذلك إلا رد الله تعالى كيده في نحره، وقيض لهذه الأمة يجدد لها دينها ويعود بها إلى منابع الدين، وحقائقه إذا تكدر صافيه .

اختار الله تعالى لرسول هذه الأمة المؤمنة أن يكون رحمة للعالمين، تعلمت فيه كيف يعامل المسلمين، ويحسن إلى الكافرين، ويرحم حتى الحيوان .

وأمر الله تعالى هذه الأمة بالصلاة على رسولها صلى الله عليه وسلم والإكثار من ذلك، بمناسبات ومواعيد وبغير لك:

أ- فقال الله تعالى: ( إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ) . وقال صلى الله عليه وسلم: ( من صلى علي مرة صلى عليه بها عشراً) ().

وصلاة الله تعالى على عباده شفاء للصدور من الأوهام والأمراض والشبه والأسقام، وهداية إلى رضوانه سبحانه من ظلمات الفتن وأجواء الفساد والانحراف، قال الله تعالى ( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور) .

ب- وذكر لنا رسول هذه الأمة الحريص عليها، والرحيم بها ما للصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من الأجر الجزيل والثواب العظيم، روى عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه، رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشر في وجهه، فقلنا إنا لنرى البشر في وجهك؟ فقال: ( إنه أتاني الملك، فقال: يا محمد إن ربك يقول: أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد إلا صليتُ عليه عشراً، ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشراً)، وقال أنس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن مَن صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشراً صلوات، وحُطت عنه عشر خطيئات، ورفعت له عشر درجات) ().

ج- وحكى لنا رسول هذه الأمة المرسل رحمة للعالمين أن الإكثار من الصلاة عليه مذهبة للهموم وأثقالها، وممحاة للخطايا وما أكثرها، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل – وفي رواية ربع الليل- قام فقال: ( أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه)، قال أبي: قلت يا رسول الله إن أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئتن قلت: الربع؟ قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف، قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك، قلت: الثلثين؟ قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ فقال: (إذن تُكفى همك ويغفر لك ذنبك) ().

د- وأتحفنا رسول هذه الأمة المباركة بأن المكثرين من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم يكونون يوم القيامة أولى الناس به صلى الله عليه وسلم وأقربهم منه مجلساً وجواراً، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة) ().

هـ- وأخبرنا صلى الله عليه وسلم أن أحداً لا يصلي عليه صلاة إلا وقد وكل الله تعالى ملكاً يحمل إليه صلى الله تعالى عليه وسلم صلاة الرجل عليه، يقول: صلى عليك فلان بن فلان، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من صلى علي صلاة صلى الله عليه، وكان ملك موكل بها حتى يبلغنيها) ().

أ- وفي ترغيبنا في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في مناسبات معينة قال في الصلاة عليه عند سماع الأذان ما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه وسلم: ( إذ سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى عليّ  صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة) ().

ودعاء الوسيلة هو: ( اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته) ().

ب- وعند دخول المسجد، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم أعذني من الشيطان الرجيم) ().

ج- وفي رواية فاطمة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد، وقال: رب اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج صلى على محمد، وقال: رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك)[رواه الترمذي].

د- وفي المجالس المختلفة علمية كانت أو غير ذلك، عن أبي هريرة رضي الله عنه  عنه صلى الله عليه وسلم قال: ( ما جلس قوم مجلساً يذكرون الله تعالى فيه، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة –نقص- فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم) ().

هـ- وفي البيوت عامة، عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم ) ().

و- وعند الدعاء، عن فضالة ابن عبيد رضي الله عنه  أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يدعو ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عجل هذا، ثم دعاه فقال له أو لغيره (إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله تعالى، والثناء عليه، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ليدع بما شاء) ().

ز- وفي ليلة الجمعة ويوم الجمعة، عن ابن مسعود الأنصاري رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكثروا علي من الصلاة في كل جمعة، فإن صلاة أمتي تعرض عليّ في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم عليّ صلاة كان أقربهم مني منزلة) ـ رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح ـ

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: ( أكثروا الصلاة على نبيكم في الليلة الغراء، واليوم الأزهر).أخرجه البيهقي وجماعة وإسناده جيد، أي ليلة الجمعة ويوم الجمعة ـ

وبعد:

فأكرم بأمة هذه بعض فضائلها، وأكرم برسول هذه مرتبته، وأكرم بقوم يكثرون الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فيفوزوا فوزاً عظيماً.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وإخوانه .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

نشر هذا المقال في مجلة حضارة الإسلام في العدد الثاني من السنة الرابعة عشرة، ربيع الثاني 1393

نشر 2014 وأعيد تنسيقه ونشره 27/1/2020

 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين