بعض الأذكار والدعوات: معانيها ومواضعها

قالوا: ما معنى التسمية قبل الأخذ في شيء؟ 

قلت: إن الله هو مبدأ كل خير وبركة، بل هو مبدأ كل موجود، أوجده من العدم، وخلقه ولم يكن شيئا مذكورًا، فكان من الشكر والاعتراف بالجميل من عباده أن يحمدوه ويعظّموا اسمه قبل مباشرة أمر، وكان الكفار والمشركون من افترائهم ينسبون كل شيء إلى آلهتهم الكاذبة، ويذبحون الأنعام ويقدّمون النذور والقرابين بأسمائها، فكان من شعار المؤمنين أن يبدأوا كل قول أو عمل باسم ربهم وإلههم ومولاهم الحق، وأول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم: "اقرأ باسم ربِّك الذي خلق"، واسم الله هو أساس الصلاة، قال: "وذكر اسمَ ربِّه فصلّى"، وقال: "واذكر اسم ربك وتبتَّل إليه تبْتيلا"، وكان "بـسم الله الرحمن الرحيم" آية على رأس كل سورة ما عدا سورة البراءة، والسبب معلوم، والتسمية صورتها خبر، ولكنها بمعنى الدعاء، وحسن الابتداء بهذا الدعاء ليطمئن به القلب، قال: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".

قالوا: هل يحرم تارك التسمية البركة؟

قلت: لا يحرمها إن نسيها، فإن تسمية الله في قلب كل مسلم، وأي ريب في حرمان من تعمد تركها؟ وانظروا إلى قول الله تعالى: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه"، والآية لا تختص بالذبائح عند أولي النظر، بل معناها: لا تأكلوا ممَّا ذبح على النصب وما أُهِلَّ به لغير الله، فكان المفهوم أن نأكل ممَّا ذُكر اسم الله عليه، وهذا ما تقتضيه غيرة أهل الإيمان أن يأكلوا مما ذكر اسم الله عليه، ولا يأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه.

قالوا: فهل نتعوذ بالله قبل أن نقرأن القرآن؟ 

قلت: لا دليل على ذلك، والتعوذ لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكتب على رؤوس السور، ولم يسن قبل قراءة القرآن في الصلوات، وأخشى أن يكون إيجاب الاستعاذة قبل القراءة من مُحدثات القرَّاء، فإن الأئمة المتبوعين لم يوجبوها.

قالوا: قال الله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}، ومعنى قرأت: أردت القراءة، ولهذا المحمل نظائر في كتاب الله تعالى.

قلت: ولعل ذلك ما حدا بالقراء إلى إيجاب النطق بالاستعاذة بالله قبل القراءة، ولكنه قول لا دليل عليه من القرآن أو السنة، فإنَّ الاستعاذة ليس معناه النطق بتلك الكلمة، بل معناها التعوُّذ بالله متوكلا عليه سواء نطق بها أم لم ينطق، والسنة أن يبدأ القراءة مثل كل شيء بالتسمية، ومادام العبد في قراءة القرآن فهو في عصمة الله، قال تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعا"، ولما فرغ من القراءة وخرج إلى أمور الدنيا تعرض لمكائد الشيطان، فكان الواجب أن يستعيذ بالله متوكلا عليه، ففحوى الآية: الاستعاذة بعد الفراغ من القراءة، ومن ثم كانت سورتا التعوذ في آخر القرآن، والمعنى أن العبد إذا قرأ القرآن، وخاض غمار الحياة وجب أن يستعيذ بالله متوكلا عليه، فهي في معنى التوكل، واقرأوها مع ما بعدها: "فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى? رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون، إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ".

قالوا: فما معنى التسبيح والتحميد؟ وما مواضعهما؟ 

قلت: إن الله متصف بنوعي الكمال: الأول كماله بالنسبة إلى نفسه، فإنه تعالى منزَّه عن كل عيب ونقص، وهذا التنزيه هو التَّسبيح، والثاني: كماله بالنسبة إلى إنعامه على خلقه وإحسانه إليه، وهذا هو التحميد الحاوي لمعنيي الثناء عليه والشكر له، فكان الحمد مناسبا لذكر الخلق والهداية وإنزال القرآن وكل نعمة، وكان التسبيح مناسبا لأوضاع يجب فيها تنزيه الله تعالى مثل الركوع والسجود، وقد ورد التسبيح بمعنى الصلاة في القرآن لأنها حال العبد الخاشع فلا بد فيها من تنزيه الله تعالى، ومن ثم كان من دعاء الاستفتاح: سبحانك اللهم وبحمدك ... جمعا بين التسبيح والتحميد.

قالوا: ما معنى "إن شاء الله"؟ 

قلت: هو النطق بالتوكل على الله تعالى، إن العبد لايملك علما كافيا ولا قدرة كافية لإنجاز شيء، والله هو المالك للعلم والقدرة، فوجب على العبد التوكل عليه، قال تعالى: "فإذا عزمت فتوكل على الله"، وقال: "ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله"، ووجب نطق كلمة "إن شاء الله" بعد الأخذ في الإعداد اللازم للعمل، وكذلك كل ما أنجزه العبد في الماضي لا ينبغي أن ينسبه إلى علمه وقدرته، بل ينسبه إلى مشيئة الله، فهو الفاعل، قال تعالى على لسان العبد الصالح: "ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله"، فـ"إن شاء الله" كلمة التوكل للمستقبل، و"ما شاء الله" كلمة التوكل للماضي، وكلتا الكلمتين ذكرت في سورة الكهف أي سورة الاعتصام بالله تعالى.

قالوا: رأينا كثيرا من الناس يلفظون "إن شاء الله" عند كل فعل أو خبر يتعلق بالمستقبل. 

قلت: أخطأوا في ذلك، فهذه الكلمة لا علاقة لها بالإخبار في المستقبل، وإنما هي النطق بالتوكل ونسبة كل شيء إلى مشيئة الله تعالى عند العزم على فعل بعد أخذ الاستعداد اللازم له.

قالوا: وهل تنوب كلمة "بإذن الله" عن كلمة "إن شاء الله"؟ 

قلت: لا تنوب، فهما في معنيين مختلفين، لأن الإذن هو الأمر، ولا نعلِّق أمرا بإذن الله، ولا سبيل لنا إلى أن نتلقى منه إذنًا أو أمرًا، قال ابن يعقوب: "لن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي" فأصرَّ على أن يبقى في مصر حتى يأذن له أبوه ويأمره بالخروج منها، ثم إن هذه الكلمة خلاف القرآن والسنة وعمل السلف، ولم تستعمل قط في معنى التوكل على الله تعالى.

قالوا: ما دعاء الإفطار؟

قلت: "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت"، وهو حديث مرسل ضعيف، والصحيح وقفه، وأصحُّ منه ما أخرجه أبو داود وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله ".

قالوا: ما محله؟ قبل الإفطار أو بعده؟ 

قلت: الخطأ فيه مثل الخطأ في التعوذ، إذ جعلوه قبل الإفطار، والصواب أن يفطر العبد باسم الله، فالتسمية هي السنَّة قبل كل قول وعمل، ، وهذا الدعاء هو بعد الإفطار، لأنه بمعنى الحمد والشكر، والحمد على الطعام موضعه بعد الانتهاء منه، لا قبله.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين