رمضان... وأَمَل استرداد الروح!

 

يأتي رمضان هذه السنة على قَدَر ممَّا تشتد حاجتنا إليه، فقد قاربنا الرَّمَق الأخير من الجَدْب والجفاف وعواصف الفتن الشديدة! فهل سيُدخلنا بحضوره وقيامنا بواجباته ونوافله والتزامنا بأخلاقه غرفةَ الإنعاش التي يستردّ فيها جَسَدُ أُمّتنا روحَه ويستعيد بخطوات جادّة عافيته وحيويّته؟ 

عامٌ تولَّى فعاد الشهرُ يطلُبنا=كأننا لم نكُن يوماً ولا كانا

حفَّتْ بنا نفحةُ الإيمان فارتفعَتْ=حرارةُ الشوق في الوجدانِ رضْوانا

لقد كان العام المنصرم منذ رمضان الماضي الذي جاء في افتتاح شهر يونيو (حزيران) 2017 من أقسى الأعوام التي مرّت بالمسلمين بأزماته ومصاعبه!

فقد تزامن مع بدايته اندلاعُ (الأزمة الخليجيَّة) بتداعياتها القاسية وما خلَّفَتْه من حالة إحباط وصدمة عند الشعوب المَعْنيّة وعموم المسلمين، و(سياساتٌ متسارعة حادّة) استهدفت الإسلام نفسَه بعقيدته وتعاليمه، وعدداً من دعاته الأحرار وعلمائه الأبرار!

كما استهدفَتْ العبث به والتلاعُب بالقِيمَ العليا في سُلَّم أهدافه وقلْبَها رأساً على عَقِب، عدا كوارث الحروب الفظيعة في اليمن وسوريا وليبيا طالت الإنسان: حياتَه وأَمْنَه وكرامتَه! 

ولا يقل خطورة عن ذلك ما جَدَّ في المنطقة من مواقف لم تُعَهد من قبل.. ظهرت فوق الطاولة بعدما كانت تُتداول بخيانة تحت الطاولة: بالنسبة لقضية فلسطين وما يُتحدث عنه بشأنها حول موضوع صفقة القرن!

كل ذلك أَنْهَك الجسم وأضعف الروح وأفقد الحيويَّة وخلط الأوراق كلها... من هنا كان أَمَلُ رمضان وهو يخطو تُجاهنا يدق الأبواب وكلّنا نَنْتظره بلهفة وحنان نرتجي أن يكون محطةَ تزوُّد للخزّانات السبعة التالية التي لا تُستعاد الروح ولا ينتعش الأمل باسترداد العافية إلا إذا امتلأتْ بـ..

1. صفاءِ الصلة بالله وقوة الاندفاعة نحوه سبحانه وهما لُبّ التديُّن الخالص المستند إلى الالتزام الصادق والعبودية الخاشعة.

2. صحَّةِ الفكر والنضج العقلي اللذين لا يتأتَّيان للمسلم وللأمّة إلا بمرجعيّة القرآن المجيد ووعي التلقّي عنه، وهذا أرجى ما يكون في رمضان لأنه شهر القرآن.

3. الجِدِّ والمجاهدة وهما شرط العطاء الحضاري، ورمضان مُوقدٌ لهما ومدرّب عليهما.

4. هضم "الأنا" وتأخير حظّ الأنانية لتتقدم مصلحة الجماعة والمشاعر الإنسانية. 

5. حبِّ الخير وبذلِهِ بسخاء، ورمضان دورة تدريبية متميزة للمسلم على ذلك.

6. الانضباطِ والنظامِ الضرورَيْن لقوة أيّ مجتمع وتفوّقه، وفي رمضان أبرزُ تجلٍّ لهما.

7. تعزيزِ ثقافة الوحدة والانتماء لأمة عظيمة والنزوع بعيداً عن الفُرقة وضياع الانتماء وتبعثر الطاقات وتأجُّج العصبيات.

الصومُ مدرسةٌ قلَّتْ نظائرُها=قد خرّجَتْ سالَف الأزمان فرسانا

يا شهرَ بدرٍ حباكَ اللهُ مَفْخرةً=حطّمتَ للكُفر أصناماً وأركانا

ما خاض فيك رجالُ الله معركةً=إلا علا الحقُّ، والإسلامُ قد بانا

المصدر: مجلة إشراقات -العدد 227

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين