الرد على التفسير الباطل لقوله تعالى: { وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}

انتشرت في الآونة الأخيرة على وسائل التواصل المختلفة والمواقع بشكل كبير مقالة غير منسوبة لكاتب معروف بعنوان : "تفسير عجيب لمعنى: واضربوهن" وأنها تعني ( ابتعدوا عنهن) أو 

( امضوا بعيداً ) .

ولكن عند البحث عن كاتب المقالة تبين أنها للكاتبة الأمريكية "لالا بختيار" وهي امرأة أمريكية من أصل إيراني، وهذا يشكف لنا أن هذا التحريف ما هو إلا حلقة من حلقات التشويه الذي يقوم به أعداء الأمة الذين يسخرون أقلاما مأجورة من المنتسبين للإسلام للنيل من تعاليمه وتبديل أحكامه .

جاء ضمن المقالة : ( كنتُ على يقين أن ضرب النساء المذكور في القرآن لا يمكن أن يعني ضرب بالمعنى والمفهوم العامّي ) .

#الجواب :

الغريب أن المعنى الحقيقي للضرب والمشهور على ألسنة العرب أصبح عند الكاتبة مفهوما عاميا ، وكأنه لا أصل له في اللغة ، مع أن علماء اللغة مجمعون على أن المعنى الحقيقي له كما قال العلامة الأصفهاني وغيره هو : ( إيقاع شيء على شيء ) .

ثم تقول الكاتبة : ( ولما كانت معاني ألفاظ القرآن تُستخلص من القرآن نفسه ، فقد تتبعنا معاني كلمة "ضرب" في المصحف وفي صحيح لغة العرب ، نجد أنها تعني في غالبها المفارقة والمباعدة والانفصال والتجاهل ، خلافاً للمعنى المتداول الآن لكلمة "ضرب" ، الآية تحض على الوعظ ثم الهجر في المضجع ، وإن لم يُجْدِ ذلك ولم ينفع ، فهنا "الضرب" بمعنى المباعدة والهجران والتجاهل ) .

#الجواب :

أولا :

هي طريقة ماكرة ابتدعها المحرفون لكتاب الله ، ظاهرها أنهم يتتبعون الكلمة القرآنية حيثما جاءت في القرآن الكريم دون النظر لسياقها ، لأجل أن يغيروا المعنى الحقيقي الظاهر المتبادر للذهن ، وذلك خدمة لفكر علماني أو توجهات غربية .

والحقيقة أن "ضرب" في معاجم اللغة أصل واحد وهو الضرب المعروف لدينا، وكل المعاني الأخرى للضرب هي من المجاز.

-لا يُنقل المعنى عند العرب من الحقيقة إلى المجاز إلا بقرينة، حتى لو كان الاستعمال المجازي شائعا أكثر ، وقد استعمل القرآن الكريم كلا المعنيين الحقيقي والمجازي للضرب وكان المعنى المجازي محتفاً بقرائن مجازيته .

وعندما تقوله الكاتبة أن معنى (واضربوهن) : أي (ابتعدوا عنهن) ففيها التفسير من الركاكة والتكرار ننزه عنه القرآن ،لأن النتيجة المتحصلة من هذا التفسير هي : أن الله تعالىأمر الأزواج بالهجر في قوله (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ) ، ثم أمرهم مرة ثانية بالترك فقال (وَاضْرِبُوهُنَّ ) ويصبح معنى الآية : ( واهجروهن واهجروهن ) ، وهذا لا يصدر عن عاقل .

ثانيا :

والآن لنستعرض معاني الضرب الواردة في القرآن الكريم :

1- المعنى الأول : وهو المعنى الحقيقي الظاهر وهو : إيقاع شيء على شيء ، ويعني تحريك أداة لصدمها بالمضروب ، وقد تكون هذه الأداة يداً أو عصا أو ضغثاً أو سيفاً أو غيرها وعلى هذا جاءت بعض الآيات الكريمة منها :

قوله تعالى : ( فراغ عليهم ضربا باليمين ) الصافات93

وقوله تعالى : ( يضربون وجوههم ) محمد27

وقوله تعالى : ( واذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشره عينا ... ) البقرة 60.

وقوله تعالى : ( وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث انا وجدنه صابرا نعم العبد انه اواب ) ص 44 .

وقوله تعالى : ( واضربوا منهم كل بنان ) الأنفال 12 

2- المعنى الثاني : ضرب الأمثال 

قوله تعالى : ( ويضرب الله الامثل للناس والله بكل شىء عليم ) النور 35 . 

3- المعنى الثالث : السفر والانتقال 

قوله تعالى: ( وإذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلوة .. ) النساء 101 . 

4- المعنى الرابع :التغطية والحجب 

قوله تعالى : ( فضربنا على ءاذانهم فى الكهف سنين عددا ) الكهف 11 . 

5- المعنى الخامس – الجعل والصنع 

قوله تعالى : ( ولقد اوحينا الى موسى أن أسر بعبادى فاضرب لهم طريقا فى البحر يبسا ... ) طه 77 . 

وعندما نستعرض هذه المعاني لتطبيقها على قوله تعالى : ( وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) فإن المعنى الثاني وهو ضرب الأمثال فإنه لا معنى له في سياق هذه الآية فلا ينصرف المعنى إليه ، وكذلك المعنى الثالث وهو السفر والانتقال لأنه يقتضي أن يضاف حرف الجر ( في ) إلى فعل الضرب ( ضربتم في الأرض ) ، ( لا يستطيعون ضرباً في الأرض ) ، والآية التي نحن بصددها "وَاضْرِبُوهُنَّ" لم تستخدم ( في ) ، ولذلك لا ينصرف المعنى إلى السفر والانتقال، والمعنى الرابع وهو الحجب والتغطية ، فلأنه يحتاج إلى حرف الجر ( على ) ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) ، أو حرف الجر ( عن ) ( أفنضرب عنكم الذكر ) ، أو ظرف المكان ( بين ) ( فضرب بينهم بسور ) . بينما لم يأت مثل هذا في الآية التي نحن بصددها ، وأما المعنى الخامس وهو الجعل والصنع فليس له في سياق الآية نصيب .

ولذلك فلا يبقى لدينا إلا المعنى الأول، وهو الضرب بمعناه الحقيقي الذي ذهب إليه جميع علماء التفسير واللغة ، ولكن الضرب ليس متروكاً لمزاج الرجل بل محكوم بضوابط قرآنية أيضاً ، تشير إلى أن الضرب المقصود ليس هدفه إيقاع الألم البدني بالمرأة ، بل جعلها تحس بمدى ضيق زوجها من نشوزها فيكون الأثر المطلوب إحداثه أثراً نفسياً معنوياً لا ألماً جسدياً

ملاحظة : لست هنا في صدد بيان الحكم الشرعي في قضية الضرب والتفاصيل المتعلقة به وضوابطه وآثاره والحالات التي يتناسب معها ، ولكن الهدف من هذه المقالة الرد على من يحاول تفسيره تفسيرا باطلا .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين