يَغْمرُ النَّفْسَ بفَيضِ مِنَ النَّورِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الآية/ 31

تأمل شرط محبة الله تعالى للعباد: {فَاتَّبِعُونِي}، إِنَّهُ اتِّبَاعُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اتِّباَعٌ في كل صغيرةِ وكبيرةِ، في كلِ حركةِ وسكنةِ. 

وشرطٌ في التابعِ عدمُ التخلفِ عن متبوعِهِ. 

وشرطٌ فيه موافقةُ المتبوعِ في كلِ خُطوةٍ، حتى لا يتوهمَ مُتوهمٌ أنه يسعه أن يخالفَ إذا شاءَ، ثم يزعمُ أنه من أتباعِ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ثم تأمل جزاءَ الشرطِ: {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}، وهي كلمةٌ لا أقولُ: هي خير من الدنيا وما فيها، بل هي خير من الجنة. 

نعم أن تفوز بحب الله تعالى لك، فهذا أكبر من الجنة التي عرضها السموات والأرض؛ ألم يقل الله تعالى؟: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}. سُورَةُ التَّوْبَةِ: الآية/ 72

وإنما كان رِضْوَانُ اللَّهِ وحبه أكبر من الجنة ونعيمها؛ لأنه صفة الله تعالى، أما الجنة فهي مخلوقة.

ومحبة الله تعالى للعبد محبةٌ حقيقيةٌ تليقُ بالله تعالى، وليست مجازًا عن إرادةِ الثوابِ أو الرحمةِ. 

ثم تأمل العلة في وضعِ الظاهرِ موضعَ المضمرِ في قوله: {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}، وعدم الاكتفاء بالضمير؛ لأنَّ ذكرَ لفظِ الجلالةِ هنا يَغْمرُ النَّفْسَ بفَيضِ مِنَ النَّورِ، ويغشاها من السكينة والطمأنينة ما يغشاها، حتى يشعر المؤمن بتلك المحبة تسري في عروقه، وتملأ جوانحه، وتضيء قلبه، ويستنير محياه بأنوار السعادة، فيذهب عنه كل هم وغم مهما قاسى من لأواء الدنيا ونكباتها.

اللهم إنا نسألك حبك، وحب من أحبك، وحب عمل يقربنا إلى حبك.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين