الهزيمة والسِّواك

كلما تأخر علينا نصرٌ أو تعرضنا لهزيمةٍ بُعِثت من مرقدها تلك الأسطورةُ العجيبة، قصة الجيش الذي حُرم من النصر لأنه عطّل سنّة السواك! وهي "قصة موسميّة"، لها مواسم تنتشر فيها حتى تنافس وصية الشيخ أحمد، خادم الحجرة النبوية المزعوم، وما أدري أيُّهما أكثر إساءة للدين واستهانة بعقول المسلمين!

نعم، السواك سُنّة يثاب فاعلها، ولكنّ تارك السنّة لا يعاقَب، بل إن تعريف الرغائب والسنن والمندوبات عند الأصوليين هو "ما يُثاب فاعله ولا يعاقَب تاركه". وهَبُوا أن المجاهدين تركوا السواك ثم عوقبوا على تركه، فبأيّ شيء تكون العقوبة؟ سوف يعاقَبون بتسوّس أسنانهم وحسب، لأن الجزاء من جنس العمل. أمّا أن يُهزَم الجيش كله بسبب التقصير في أداء بعض السنن فإنها خرافة عجيبة لا يقبلها عقل ولا دين!

وإن من أعجب العجب أن نترك كتاب ربنا وآياته المحكمات ثم نركض وراء الخرافات والموضوعات! ما لنا وللبحث عن أسباب هزيمتنا في تلك الأخبار الواهية، وفي كتاب الله آياتٌ محكمات تبيّنها لنا بأوضح عبارة وأبيَن أسلوب؟

* * *

لو بحثنا في كتاب الله سنجد أن "قانون الهزيمة" يدور في القرآن على معنيَين كبيرين: التنازع والظلم. فأما التنازع فنستخرجه من قوله تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}، وأما الظلم فمن قوله: {والظالمون ما لهم من وليّ ولا نصير}.

فإذا ابتعد عنّا النصر وطرقت الهزيمةُ بابَنا فلا تبحثوا عن الفروع والمندوبات، ابحثوا عن الأصول والفرائض الكبرى. فكّروا: ألم يتنازع قادةُ الثورة ويتفرّقوا شَذَرَ مَذَر في سبيل النفوذ والسلطان؟ أمَا انتشر الظلم في الأراضي المحررة حتى صارت بعض الفصائل نُسَخاً رديئة من النظام؟ أليس في جمهور الثورة كثيرون، كثيرون جداً يستهينون بالظلم ويدافعون عن الظالمين؟

لقد عُرف الجواب، ففيمَ البحث ولِمَ الاستغراب؟ ليس ترك السواك هو سبب الهزيمة؛ إن سببها هو الظلم والفساد والفُرقة والتنازع، سببها فاسدون وظَلَمة كثيرون يملؤون الأرض، ومِن ورائهم أنصار ومُريدون لا يحصيهم العَدّ، رضوا عن الظلم والفساد ومضوا يصفّقون للفاسدين والظالمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين