محكمةٌ لا نقضَ فيها ولا استئنافَ

 

 

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}. سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الآية/ 28

تأمَّل قوله تَعَالَى: {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}، مصيرُ الخلقِ جميعًا إِلَى اللَّهِ، وإليه وحده المرجعُ والمآبُ، وبين يديه الخصامُ والعتابُ؛ {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}. سُورَةُ الزُّمَرِ: الآية/ 31.

وعليه وحده الجزاءُ والحسابُ؛ {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ}. سُورَةُ الْغَاشِيَةِ: الآية/ 25، 26.

يختصم الخلقُ بين يدي الله تعالى، في الصغير والكبير، والنقير والقطمير، فيحكم بينهم ربهم تبارك وتعالى، فلا يغادر صغيرة ولا كبيرة، في محكمة ليست كمحاكم الدنيا؛ فليس فيها ادعاءٌ على غائب؛ {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}. سُورَةُ الْحَاقَّةِ: الآية/ 18.

محكمةٌ لا نقض فيها ولا استئناف؛ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}. سُورَةُ النِّسَاءِ: الآية/ 40.

محكمة لا محاباة فيها، ولا واسطة؛ {فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}. سُورَةُ الرُّومِ: الآية/ 57 . 

ولا ظلمَ فيها ولا إجحاف؛ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}. سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: الآية/ 47 .

محكمةٌ ليس فيها شاهد زورٍ؛ {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}. سُورَةُ يس: الآية/ 65 .

محكمةٌ لا يسقط فيها شيءٌ من الجرائمِ بالتقادم؛ قَالَ النَّبِيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الظُّلْمُ ثَلاثَةٌ فَظُلْمٌ لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ وظلم يغفره الله وَظُلْمٌ لا يَتْرُكُهُ اللَّهُ فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لا يَغْفِرُهُ اللَّهُ فَالشِّرْكُ، وَقال اللَّهُ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}. وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يَغْفِرُهُ اللَّهُ فَظُلْمُ الْعِبَادِ لأَنْفُسِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لا يَتْرُكُهُ اللَّهُ فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا حَتَّى يَدِينَ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ». رواه البزار بسند صحيح.

الكلٌ بين يدي الله تعالى سواسيةٌ كأسنانِ المشطِ، التابعُ والمتبوعُ، الشريفُ والوضيعُ، الرَّئِيسُ وَالْمَرْؤُوسُ؛ {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. سُورَةُ الْحِجْرِ: الآية/ 92، 93.

فهل تظن أنه سيضيع عند الله حق؟ أو يفلت من العقاب مجرم؟ أو ينجو بفعلته ظالم؟

لا والله؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ، مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ». رواه مسلم.

فيا عبد الله حاسبْ نفسَك قبل أن تُحَاسَب، وزِنْ عملك قبل أنْ يُوزنَ عليك، وأَعِدَّ للسؤال جوابًا، وتخفَّف من التَّبِعات فإن العقبة كؤود، وأصلح عملك فإنَّ الناقد بصير.

اللهم قنا عذابك يوم تبعث عبادك.

 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين