ليلة النصف من شعبان (ليلة البراءة)

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فإنَّ الله سبحانه وتعالى اختصَّ بعض الشهور بالفضيلة كشهر شعبان ورمضان، واختصَّ من هذه الشهور بعض الليالي المباركة كليلة النصف من شعبان وليلة القدر، وتطالعنا في الأيام القادمة إحدى هذه الليالي المباركة وهي ليلة النصف من شعبان، فما هي هذه الليلة؟ ولم اختصَّها الله بالفضيلة دون غيرها من الليالي؟ هذا ما سنجيب عنه في هذه المقالة.

أسماؤها:

قال المناوي في فيض القدير (9/208): عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن). أخرجه ابن ماجه وابن حبان.

ثم قال: "ولها أربعة أسماء: 1-الليلة المباركة 2-وليلة البراءة 3-وليلة الصك 4-وليلة الرحمة، ومن عادة الله في هذه الليلة أن يزيد فيها ماء زمزم زيادة ظاهرة". 

وقال المباركفوري في تحفه الأحوذي (6/465): "باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان وهي الليلة الخامسة عشر من شعبان وتسمى ليلة البراءة". 

فضلها:

هذه الليلة ثبتت فضيلتها بعدد من الأحاديث، وإن الله سبحانه وتعالى يتجلى فيها على عباه فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين إلا مشرك أو مشاحن (أي بينه وبين أخيه خصومة وتدابر ومقاطعة). فقد أخرج ابن حبان في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: فقدت النبي - صلى الله عليه وسلم - فخرجت فإذا هو بالبقيع رافعاً رأسه إلى السماء فقال: (أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟ فقلت يا رسول الله! ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب). وأخرجه الترمذي أيضاً.

ويروى من حديث عثمان بن أبي العاص مرفوعاً: (إذا كان ليلة النصف من شعبان نادى منادٍ: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ فلا يسأل أحد شيئاً إلا أعطيه إلا زانية بفرجها أو مشركاً). أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 

وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها، ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها.

وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: بلغنا أن الدعاء يستجاب في خمس ليال: ليلة الجمعة، والعيدين، وأول رجب، ونصف شعبان. 

وقال التابعي الجليل عطاء بن يسار: ما من ليلة بعد ليلة القدر أفضل من ليلة النصف من من شعبان، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيغفر لعباده كلهم إلا لمشرك أو مشاحن أو قاطع رحم.

فينبغي للمؤمن أن يتفرغ في تلك الليلة لذكر الله تعالى، ودعائه بغفران الذنوب، وستر العيوب، وتفريج الكروب، وأن يقدم على ذلك التوبة، فإن الله تعالى يتوب فيها على من يتوب، ورحم الله القائل: 

فقم ليلة النصف الشريف مصلياً ............ فأشرف هذا الشهر ليلة نصفه

وقال بديع الزمان سعيد النورسي رحمه الله تعالى في بعض رسائله:

"إخواني الأعزاء: إن هذه الليلة الآتية هي ليلة البراءة، وهي لكونها نواة قدسية للسنة كلها ولكونها برنامجاً لمقدرات البشر فإنها بقدسية ليلة القدر، وكما أن الحسنة تضاعف في ليلة القدر إلى ثلاثين ألف ضعف، فإن كل عمل صالح يُؤدَّى في ليلة البراءة هذه وكل حرف يُتلى من القرآن فيها يُضاعف ثوابه إلى عشرين ألف ضعف". 

صيام يوم النصف من شعبان:

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه لطائف المعارف (ص143): "وأما صيام يوم النصف منه فغير منهي عنه، فإنه من جملة أيام البيض الغر المندوب إلى صيامها من كل شهر، وقد ورد الأمر بصيامه من شعبان بخصوصه، ففي سنن ابن ماجه بإسناد ضعيف عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان ليلة نصف شعبان، فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا، فيقول: ألا مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر)". أخرجه ابن ماجه 

اسأل الله سبحانه أن يوفقنا لقيام هذه الليلة المباركة وأن يبارك لنا فيما بقي من شعبان، ويبلغنا رمضان على أحسن حال إنه سميع مجيب.

أهم المراجع: 

فيض القدير للمناوي 

تحفه الأحوذي للمباركفوري 

لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي

سيرة بديع الزمان سعيد النورسي بلسانه وأقلام تلامذته 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين