العرب .. ثروات هائلة وبطون جائعة

لقد أنعم الله عز وجل على العرب ثروات طبيعية هائلة، وحباهم مساحات زراعية غنية بثروات حيوانية عظيمة، وأعطاهم الأنهار الغزيرة والبحار الغنية بثروة سمكية لا تنفد، وقبل أيام قريبة كشف لهم في البحار كميات هائلة من النفط والغاز، ونعرض فيما يأتي صورة موجزة عن هذه الثروات التي تتجاوز الخيال :

1 - النفط : تستأثر الدول العربية على أكثر من (55 %) من احتياطي نفط العالم، وتأتي خمس دول عربية بين الدول العشر صاحبة أكبر احتياطي من النفط ، وعلى مدى نصف قرن من الزمان وفر النفط للعرب عائدات مالية فاقت الخيال، وعلى سبيل المثال بلغت عائدات الدول العربية في عام 2015 مبلغ (325 مليار دولار) وهو مبلغ يشكل (41.3%) من عائدات النفط في العالم !

2 - الغاز الطبيعي : تمتلك الدول العربية احتياطي هائل من الغاز الطبيعي تفوق ربع الاحتياطي العالمي، وحسب إحصائيات تقرير منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول "أوابيك" لسنة 2015، بلغ احتياطي الغاز الطبيعي في الدول العربية (54.3 تريليون متر مكعب) وهو ما يعادل (27.5%) من الاحتياطي العالمي؛ وهناك دولتان عربيتان ضمن لائحة أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم، هما المملكة العربية السعودية التي تحتل المرتبة السادسة والجزائر التي تحتل المرتبة السابعة. إلى جانب دولة قطر التي تمتلك احتياطياً هائلاً من الغاز، وقد احتلت في عام 2013 المركز الرابع في إنتاج الغاز، والمركز الثاني في تصديره، وهي تعد أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم !!

3 – المعادن : تمتلك الدول العربية كميات هائلة من مختلف المعادن، منها الحديد، والزنك، والنحاس، والفحم الحجري، والفوسفات، وتتصدر موريتانيا الإنتاج العربي في الحديد (13.8 مليون طن ) في عام 2013 ، وقد توقع "صندوق النقد العربي" أن تتزايد كميات إنتاج الدول العربية من الحديد في العقود القليلة المقبلة، ووفق تقريرالصندوق في عام 2014 " أن دول الخليج العربي والدول العربية في شمال أفريقيا أصبحت في مقدمة دول المنطقة بإنتاج الحديد والصلب؛ ومن المنتظر أن تصبح المنطقة العربية خلال العقود القليلة القادمة من أهم مناطق العالم في إنتاج الحديد والصلب !

4 – الثروات الزراعية : علاوة على دورها الحاسم في تأمين الأمن الغذائي، توفر الزراعة في الوطن العربي فرص عمل لأكثر من (26 مليون شخص) وقد شكلت الزراعة في عام 2014 حوالي (5.3%) من الناتج العربي المحلي .

5 - الثروات الحيوانية : يمتلك العرب ثروة حيوانية كبيرة تقدر بأكثر من (345 مليون رأس) من الأبقار والأغنام والإبل حسب إحصائيات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لسنة 2014 ، وتبلغ مساحة المراعي في الوطن العربي حوالي (425 مليون هكتار) أي حوالي (32%) من المساحة الإجمالية للدول العربية، وهي بلا شك مساحة شاسعة جداً، توفر فرصاً كبيرة لتطوير الثروات الحيوانية في المستقبل .

6 - الثروة السمكية : تطل جميع الدول العربية على البحر، وتمتد سواحلها على (23 ألف كلم) هي سواحل بحر العرب والخليج العربي والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، ناهيك عن الموارد المائية الداخلية من أنهار (16.6 ألف كلم) وبحيرات وسدود ومزارع سمكية صناعية، وقد بلغ الانتاج السمكي حسب إحصائيات صندوق النقد العربي (4.4 مليون طن) عام 2014، وهو ما يعادل (2.6%) من الإنتاج العالمي .

7 - ثروات المال العربي : خلال العام الماضي 2017 وصلت ثروات (42 ثري عربي) معظمهم من دول الخليج العربي إلى (123.4 مليار دولار) كما جاء في تقرير مجلة فوربس (Forbes) المتخصصة بأخبار الأعمال ورجال الأعمال؛ وقد تضمن التقرير قائمة أغنى 15 حاكماً في العالم، منهم (10 حكام عرب) باستثناء الحكام السابقين الذين عصفت بهم رياح "الربيع العربي" فهلكوا تاركين وراءهم ثروات هائلة تقدر بمئات المليارات من الدولارات مودعة في البنوك الأجنبية في حسابات لا يعرف أرقامها السرية سوى الذين هلكوا، ما يعني أن هذه الثروات الهائلة قد هلكت مع الهالكين، وضاعت على الأمة !

ومن المفارقات المؤسفة فيما يتعلق بالثروات العربية أن معظم قوانين العالم توجب على الزعماء أن يعلنوا عن ممتلكااتهم وثرواتهم عند استلام الحكم، وهو تقليد راسخ أصبح معمولاً به من قبل معظم حكام العالم إلا حكام العرب الذين لا تعرف شعوبهم شيئاً عن ثرواتهم، وأدهى من هذا أن الزعماء العرب يمتلكون ثروات طائلة مودعة بحسابات سرية في البنوك العالمية، وهذه الثروات تأكلها تلك البنوك عند هلاك صاحبها أو موته كما ذكرنا، ولا شك بأن هذه السفاهة في التصرف بالمال العام يعد قمة الاستخفاف بالأمة وبثرواتها !! 

ثروات عربية لشراء الهزائم :

تعد الدول العربية من أكثر الدول شراء للسلاح، وأكثرها تحقيقاً للهزائم ، فقد أظهرت دراسة نشرها "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" في تقريره لشهر آذار/ مارس 2018 ارتفاع واردات السلاح إلى الشرق الأوسط ارتفاعاً غير مسبوق خلال سنوات " الربيع العربي" !!

وكشف تقرير "صندوق النقد العربي" أن نسبة الإنفاق الدفاعي والأمني في العالم العربي، بلغت (21%) من النفقات خلال الفترة (2010 - 2015) وذكر أن إجمالي هذا الإنفاق العربي وصل إلى (803 مليارات دولار) وهذا ما وضع العرب في رأس القائمة عالمياً في الإنفاق على السلاح، وقدر خبراء اقتصاديون أن المخصصات للقطاع العسكري والدفاعي والأمني في الدول العربية، تتجاوز (20%) من إجمالي الإنفاق العام، و (8%) من إجمالي الناتج المحلي، وهي أعلى نسبة في العالم !!

وقد أدى الإنفاق العبثي على شراء السلاح إلى عجز متكرر في ميزانيات الدول العربية، ولاسيما الميزانيات المخصصة لمشاريع التنمية !

ومن المفارقات المؤلمة أن هذا الإنفاق العربي الكبير على السلاح لم يحقق للعرب نصراً واحداً حاسماً في مختلف الحروب التي خاضوها في العصر الحديث، فمنذ احتلال الصهاينة لفلسطين خاض العرب خمس حروب كبيرة في الأعوام (1948، و1956، و1967، و1973، و1982) لكنهم لم يحرزوا في هذه الحروب إلا الهزائم والنكسات !

وبدل أن تحقق الثروات العربية الهائلة تقارب العرب ووحدتهم، وظفتها الأنظمة العربية الفاسدة في الصراعات البينية، وفي استقواء بعضها على بعض؛ وساهمت "الانقلابات العسكرية" في تحقيق المزيد من التمزق العربي والضعف؛ ففي الفترة ما بين عامي 1941 و 2014 شهد الوطن العربي أكثر من (20 انقلاباً عسكرياً ) وعشرات الصراعات الداخلية؛ مما كان له أثر سيء جداً على عامة الأوضاع العربية !

وهكذا بدل أن تكون الثروات العربية نعمة ومصدراً للتحضر والتطور، كانت نقمة ومصدراً للدمار والتخريب، فقد جلبت هذه الثروات على الأمة هزائم لم تعرفها في أحلك فترات تاريخها، وجعلت الأمة مرتعاً للجهل والفقر والمرض، وساهمت الأنظمة العربية الفاسدة في شيطنة هذه الثروات؛ إذ راحت تقدمها للأجنبي طلباً لحماية هذه الأنظمة، والسكوت عن مظالمها وانتهاكاتها المخزية للحقوق، وهذه العبثية بثروات الأمة جعل العدو يستفيد من هذه الثروات أكثر مما استفادت منها الأمة !

ثروات عربية هائلة وبطون جائعة تنذر بالثورة :

هكذا رأينا العرب يمتلكون ثروات هائلة تصل إلى أرقام فلكية، تجعل من "قارون" أغنى أغنياء التاريخ مجرد مسكين يستحق الصدقة، إلا أن هذه الثروات صرفت ومازالت تصرف من قبل الأنظمة العربية في سفاهة بالغة وحماقات عسكرية عبثية جعلت الأمة تعاني كل أشكال الشقاء والتخلف والفقر والعوز !!؟

فقد أشارت التقديرات العالمية أن (80%) من العرب يعانون اليوم من الفقر، وأن متوسط العمر المتوقع للععربي قد انخفض 20 عاماً بسبب سوء الخدمات الصحية وتخلفها !؟

وقد أفادت إحصاءات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO) أن أكثر من (40 مليون عربي) يعانون اليوم من نقص التغذية، وأكثر من (100مليون عربي) يعيشون تحت خط الفقر !!

وتضيف المنظمة أن الأمن الغذائي العربي مهدد بأخطار جسيمة، بسبب الخلل الذي تعاني منه الاقتصادات العربية نتيجة سوء الخطط التنموية، والتوزيع غير العادل للثروات، والفساد الإداري !

وتشير تقارير "المنظمة العربية للتنمية الزراعية" إلى الاتساع المطرد للفجوة الغذائية في السلع الزراعية تجاوزت (20 مليار دولار) في عام 2008.

وتزداد الحالة سوءاً يوماً بعد يوم لأن الأراضي الصالحة للزراعة آخذة بالتناقص عاماً بعد عام بسبب فساد الإدارة والإهمال، ما جعل الأراضي المستغلة للزراعة في الوطن العربي لا تزيد عن (30%) من الأراضي الصالحة !! 

هذه العوامل وغيرها جعلت الفقر العربي يزداد يوماً بعد يوم مقابل تحسن المعيشة في بقية أنحاء العالم، ففي عام 2016 أفاد برنامج "التنمية المستدامة" التابع للأمم المتحدة أن عدد الأشخاص الذين كانوا في العالم يعانون من الفقر المدقع قد انخفض إلى النصف خلال العشرين سنة الماضية، أما العالم العربي فقد ازدادت أحواله سوءاً نتيجة السياسات العبثية التي تمارسها الأنظمة !

وعلى الرغم من الدعوات الملحة لتحقيق تنمية عربية حقيقية؛ وبخاصة في التعليم، والصحة، والبيئة .. إلا أنه يصعب إحراز أي تقدم في هذه القضايا قبل القضاء على الفقر .

إلا أن الفقر ليس إلا بعداً واحداً من الأزمة؛ والجماهير الغفيرة لم تخرج في الربيع العربي احتجاجاً ضد الفقر، وإنما خرجت احتجاجاً على التهميش والحرمان من الحقوق الاجتماعية والسياسية؛ وهذا يعني أن الأزمات العربية الراهنة لا تنتهي بمعالجة الفقر وحده، بل لا بد إلى جانبها من توفير فرص حقيقية للمشاركة في صناعة القرارات المصيرية .

وقد كشفت ثورات الربيع العربي عن قدرة عظيمة لدى الأمة لتحدي الحكومات الفاسدة والفاشلة، فهذه القدرة تعني أننا إذا لم نعالج قضايا الفقر والأمن الغذائي، فإن ثورات الربيع العربي التالي سوف تكون ثورات سياسية يقودها الجياع، وسوف تكون ثورات أعنف من ثورات الربيع العربي الحالي بما لا يقاس !

***

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين