بين الخوف والإكراه

لا يحلُّ لمؤمنٍ حقًا أن يتصالحَ مع الباطل ولا أن يواليَ أهله ودعاته، وحرمةُ تلك المخالفة على درجتين:

الأولى: إظهار موافقتهم على باطلهم.

الثانية: كتمان مخالفتهم، وهي أدنى من الأولى.

هذا التفريق مهم جدًا في تأصيل المسالة ومعرفة متى يُرخَّص للمؤمن أن يكتم مخالفته لأهل الباطل، ومتى يرخص له أن يوافقهم على باطلهم.

أما الإكراهُ فهو مبيحٌ لصاحبه كلا الأمرين ولا حرج، وله أن يصبر ويأخذ بالعزيمة إن كان يطيق ذلك، فهو حينئذ مجاهد، وإن قُتل فهو شهيد.

وأما الخوف فهو يبيح كتمانَ مخالفتهم فحسب ولا يبيح إظهار موافقتهم، وهذا الفرقُ الدقيق هو الذي يلتبس على كثيرٍ من طلبة العلم بَلَهْ العامة، فترى الذين في قلوبهم مرضٌ يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة، فيَضلون بذلك ويُضلون، ظنًا منهم أنَّ الشريعة ترخص لهم موالاة المبطلين في حال الخوف. 

بقي أن نعلم ما المقصود بالخوف ؟ وما المقصود بالإكراه؟

أما الخوف: فهو توقع حصول مكروه في المستقبل، وتحققه يكون بغلبة الظن لا بالتوهم.

وأما الإكراه: فهو حمل الآخر على فعل ما يكره بالقوة، وتحققه يكون باجتماع الشروط الآتية في آن:

1. التهديد بالقتل أو قطع عضو أو الضرب الشديد.

2. أن يكون المكرِهُ قادرًا على إنفاذ تهديده.

3. عدم التمكن من الخلاص بالهرب أو الحيلة.

4. عدم حصول الرضا باطنا حال موافقتهم على الفعل ظاهرًا.

هذا التفصيل يُنبيك عن عِظم الجهل والهوى في نفوس الموالين للكفار المتذرِّعين بالإكراه من غير إكراه، ولربما من غير خوف أصلا.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين