فصبر جميل

وددت لو غصت في أعماق عقول الظلمة والضالين - إن كانت لهم عقول - لأبرز لهم مصارع الطغاة قبلهم ؛ علّهم يفيقوا من غفلتهم، وينتبهوا من رقدتهم، فيعرفوا أن سنة الله في الظالمين ستصيبهم ، وأن سهام القدر قد فُوّقت لتخلص إليهم فتهلكهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون .

{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ } .

لكن القوم كما قال الله تعالى : {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } .

وها أناذا أنقل لكم كلمات بديعة صاغتها يراع إمام كبير ، وعلامة نحرير ،

هو تاج الدين السبكي- رحمه الله- في كتابه الفذ (معيد النعم ومبيد النقم) 

قال رحمه الله ص41 : " وقد اعتبرت -ولا ينبئك مثل خبير- فما وجدت، ولا رأيت، ولا سمعت بسلطان، ولا نائب سلطان، ولا أمير، ولا حاجب، ولا صاحب شُرْطَةُ يُلقي الأمور إلى الشرع إلَّا وينجو بنفسه من مصائب هذه الدنيا، وتكون مصيبته أبدًا أخفَّ من مصيبة غيره، وأيّامه أصلح، وأكثر أمنًا وطمأنينة، وأقلُّ مفاسد.

وأنت إذا شئت فانظر تواريخ الملوك والأمراء العادلين، والظالمين، 

وانظر أيُّ الدولتين أكثرُ طمأنينة وأطولُ أيّامًا؟ 

وكذلك اعتبرتُ فلم أر ولم أجد من يظنُّ أنَّه يُصلح الدنيا بعقله، ويدبِّر البلاد برأيه وسياسته، ويتعدَّى حدود اللَّه تعالى وزواجره إِلَّا وكانت عاقبته وخيمة، وأيامه منغَّصة منكِّدة وعيشه قلِقًا،

وتفتح عليه أبواب الشرور، ويتَّسع الخرق على الراقع، فلا يُسد ثلمة إِلَّا وتنفتح ثُلمات، ولا يرفع فتنة إِلَّا وينشأ بعدها فتن كثيرة. 

وعلى مثله يصدق قول الشاعر:

نرقّع دنيانا بتمزيق ديننا ... فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع .

فمن خطر له أنَّه إن لم يسفك الدماء بغير حق، ويضرب المسلمين بلا ذنب لم تصلح أيّامه فعرِّفه أنَّه جهول باغٍ أحمق حمار، 

دولته قريبة الزوال، ومصيبته سريعة الوقوع، وهو شقِيٌّ في الدنيا والآخرة. وإذا أخذه اللَّه لم يُفلته" اه‍ .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين