لو أننا أقوياء

المحاور:

- ليس كل: (لو) تفتح عمل الشيطان، إنما هي (لو) التي نتحسر فيها على شيء فات، أما تلك التي نستقبل بها عملاً قادماً آت؛ فلا شك أنها تفتح عمل الرحمن، وصدق الله: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) (هود: 80) 

- طلب القوة واجب على كل مسلم، ف(المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) رواه مسلم.

- والتخلي عن تحصيل أسباب القوة يزيدنا وهناً على وهن، وضعفاً على ضعف، ويعرضنا للسؤال والحساب يوم القيامة، باعتبار أن الضعف (الناتج عن التقصير في طلب القوة) جريمة وليس عذر نعتذر به إلى الله تعالى (كما قال سيد قطب رحمه الله)، لاسيما إن أدى هذا الضعف إلى خضوعنا بإرادتنا لغيره سبحانه، قال تعالى: (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ) (غافر: 48).

- للقوة صور وأشكال، ولا يصح إهمال أيٍّ منها، بل إنه من الواجب السعي في طلبها، ومن هذه الأشكال:

1. قوة القلب والروح والوجدان، باليقين والإيمان.

2. وقوة الفكر والعقل، بالبحث والعلم والمعرفة.

3. وقوة المال والاقتصاد، بالاستثمار والإنتاج والكسب الحلال.

4. وقوة التواصل والعلاقات، بالمشاركة الاجتماعية والإكرام.

5. وقوة الساعد والجسد، بالمحافظة على صحته ونظافته وممارسة الرياضة.

6. وقوة الموقع والمنصب والوظيفة، بالأمانة والجودة والمشاركة السياسية.

7. قوة الانتاج بأنواعه؛ انتاجاً فكرياً أو مادياً.

- هذه القوى كلها مطلوبة على مستوى الأفراد، وهي كذلك مطلوبة على مستوى الوطن والأمة، فالدولة والأمة القوية في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية التوعوية والأمنية العسكرية، هي التي تملك إرادتها وتحسن في إدارتها، وبالتالي تجلب الاحترام لنفسها.

- لو أننا (كأفراد ومجموعات ودولة وأمة) أقوياء، لحزنا على العديد من المزايا والعطايا، ومن ذلك:

1. اكتساب الثقة التي بها نتقدم إلى الأمام ولا نسمح بالتراجع والفرار أو النكوص.

2. تحصيل الهيبة الكافية لردع الأعداء وإيقافهم عند حدهم، قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ  وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) (الأنفال: 60)، وأما ضعفنا فأغراهم باستهدافنا واستنزافنا، وجعلهم يتدخلون حتى في مصيرنا ومستقبل أجيالنا، فضلاً عن عبثهم بحاضرنا.

3. إغراء غير المسلمين بالإسلام، لأن العقلاء تجذبهم القوة كالمغناطيس، والضعف لا يغري بالاهتداء، ولأجل ذلك أسلم يوم فتح مكة المئات، في حين تردد هؤلاء عن الإسلام يوم كان نشاط الدين في مكة ضعيفاً. 

4. إثبات وجودنا في المحافل كلها، بحيث نصبح رقماً صعباً في عالم الأرقام، ولنا تمثيل حقيقي بين الأمم، وبأيدينا أوراق رابحة، ولنا من يمثلنا في ملعب الحياة، لا مجرد جمهورٍ متفرج، أو كرةٍ تركلها الفرق المتشاكسة ويحرزون بِنَا أهدافهم الخبيثة.

5. تأكيد احتياج الآخرين لنا، وشعورهم الحقيقي بعدم قدرتهم على تجاوزنا أو الاستغناء عنا، فالقوي يفرض نفسه، ويصبح مرجعية لمن حوله ولا يُقطع بالأمر دونه، والضعيف لا يحتاجه أحد، فهو بلا قيمة في عالم الأقوياء.

6. القيام بالمسؤوليات المطلوبة منا على أكمل وجه، فنأخذ إن أخذنا المهام بقوة، ونعطيها كذلك بقوة، قال تعالى: (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 63).

7. تحصيل الحكمة، وتمكين الحكم؛ كل ذلك إنما يتحصل عليه المسلم إن كان قوياً جاداً في أخذه وعطائه، وإن كان ناشئاً فتياً، قال تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ  وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (مريم: 12).

8. ذوبان النفاق وتمايز الرايات، فالمنافقون ينحازون للأقوى وليس للتقوى، وكلما كنّا أقوياء ذاب من حولنا الخبثاء، فالقوة تشفي وساوس نفوسهم المريضة.

- يُعد بناء الإنسان القوي نقطة ارتكاز أساسية ننطلق منها لبناء أسرة قوية ومجتمع قوي، وبالتالي نتمكن من توفير حواضن لتفريخ الأقوياء، ولاشك أن إعادة رسالة المسجد في صناعة (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ  يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) (النور: 37)، أولى الأولويات لتمكين القوة في الأمة.

- تعد (قوة التركيز) من أعظم أنواع القوى التي نستطيع من خلالها تحقيق الخشوع في صلاتنا وعباداتنا، وتحقيق الاتقان في سائر شؤون حياتنا، لأجل ذلك يراد تشتيتنا ذهنياً وقلبياً لنبقى أمة مستهلِكة ومستهلَكة.

- تعد (قوة القرار) المستند إلى إرادة سيادية، وشرعية سياسية؛ من أشد وأقوى أنواع القوى، قال تعالى في حاشية ملكة سبأ: (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ) (النمل: 33)، والقرارات المرتبكة مكلفة.

- يعد ضبط النفس في الأزمات وعند دواعي الطمع والغضب من أقوى القوى، لأنه (ليس الشديد بِالصُّرَعَةِ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) رواه البخاري. 

- لا يستغني حتى الملوك الأقوياء عن المدد والسند والظهر القوي، قال تعالى على لسان ذي القرنين، ذلك الملك القوي: (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا) (الكهف: 95).

- هلك الذين اعتمدوا على قواهم، ولَم يعتبروا القوة نعمة تتطلب شكراً وحمداً، قال تعالى: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً  أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ?وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) (فصلت: 15).

- إن من واجب الأمة أن تبحث عن أسباب قوتها، وأن تنميها وتستثمرها لصالحها، ومن أسباب قوة أمتنا:

1. أصالة دينها، وثبات عقيدتها، وحفظ كتابها ومنهاجها ودستورها.

2. مرونة فقهها، وسهولة معاملاتها، وعالمية غايتها.

3. امتداد انتشار آثارها، وبصمات أبنائها، بامتداد الجغرافيا والتاريخ.

4. قدرتها الفائقة على الصمود في وجوه أعدائها على الرغم من شدة كيدهم (لتزول منه الجبال).

5. قدرتها العجيبة على إعادة ترتيب أوراقها واستعادة هيبتها والتحول من المِحنة إلى المنحة ومن التحدي الى الفرصة.

6. سلامة فطرة أبنائها، وصفاء نفوسهم، على الرغم من شدة المعكرات والملوثات حولهم.

- ما كانت قوتنا ولن تكون قوة بطش وعربدة وإيذاء، وقد ربط رب العزة قوته وعزته وجبروته بعلمه وحلمه وعدله وحكمته، وهكذا هو حال المسلم، لا سيما إن أتيح له التفوق والسيطرة والانتصار على الخصوم والأعداء (اذهبوا فأنتم الطلقاء).

- كلما أدركت أمتنا نقاط قوة أعدائها وضعفهم كلما كانت فرصتها أكبر في التعامل معهم، والحذر واجب على كل حال، لأن عنصر المفاجأة كفيل بإرباك أقوى الجيوش وتحويل الانتصارات إلى هزائم (الجولة الثانية من غزوة أحد نموذجاً).

- التمرين المستمر والتجربة بعد التجربة تكسبنا قوة، والاستهتار يؤدي إلى الترهل والضعف، لاسيما إن كان استهتاراً في متابعة الإعداد والتحضير لأي طارئ، قال تعالى: (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً) (النساء: ???).

- يعد الكبر والغرور وترك الشكر من أكبر عوامل زوال القوة، لأجل ذلك يستحضر المسلم قدرة الله وقوته عندما يجد ما يعجبه من نفسه، قال تعالى: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا) (الكهف: 39).

- وأخيراً: مثلما أن للقوة مؤشرات فإن للضعف مؤشرات، فمن مؤشرات ضعفنا، احتلال بلادنا، وانتهاك مقدساتنا وأعراضنا، وتشريد أهلنا، ونهب ثرواتنا، وكثرة أسرانا، وبكاء أقصانا، وتيه شبابنا، واختلاط حياتنا، ولكن لا حرج، ففي الأمة خير كامن، وفرج الله قريب، والسعي لبلوغه مطلوب.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين