مراجعة أم تراجع ؟!

المراجعة حالة صحية وصِفة إيجابية تدلُّ على صدق صاحبها وتجرده للحق، فإذا بان له بعد البحث والمذاكرة أو المناصحة أنه كان مجانبا للصواب لم يمنعه الكبرُ والهوى من ترك ما كان يراه من مذهب عقدي أو فتوى فقهية أو حكم على حديث بالصحة أو الضعف، ولم يزل هذا السلوك دأبَ العلماء الصادقين، حتى أنَّ منهم من اشتُهر بمذهبين قديم وجديد، ولم ينقص ذلك من أقدارهم شيئا، بل عُدَّ من مناقبهم.

أما التراجعُ فهو زيغ القلب والنكوص على العقبين والانقلاب على الذات وزعزعة ما كان يوما من ثوابت الدين والقيم، وتمييع ما كان ينعقد عليه الولاء والبراء، حتى تصل التنازلات ببعضهم إلى درجة تحليل ما كان يراه حراما، لا لأنه عَلِم ما لم يكن يعلم، أو ظهر له من مستند الفتوى ما يحمله على تعديل قناعته، لكنه يفعل ذلك تماشيا مع هوى السلطان أو ضغط الجماهير أو خشية من ضرر ما يلحق بدنياه أو حرصا على منفعة حقيرة أن تزول.

لقد لبِس بعض المتحذلقين ثوبَ المراجعة ليستروا به سوءاتهم التي كشفت رقة دينهم وقلة صبرهم وضعف إيمانهم بمبادئهم التي تشبثوا بها ودعوا إليها لعقود وقت رخائهم لتتهاوى أمام أدنى تحديات يواجهونها من أهل الشر ودعاة الباطل دون مقاومة تذكر.

والتخريج والتأويل حاضران في الذهن وعلى اللسان، تارة باسم المصلحة، وتارة باسم الإكراه او الاضطرار، وهكذا.

عند اشتداد الفتن تتمايز أصناف الناس بما فيهم العلماء والدعاة والمصلحون فيرقى من يرقى بثباته ويقينه، ويتهاوى من يتهاوى في مزالق الهوى والشيطان، ولا عاصم حينئذ منها إلا لمن استعصم بالله فعصمه. 

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين