مع الرسول صلى الله عليه وسلم في ولادته ووفاته

مع الرسول صلى الله عليه وسلم في ولادته ووفاته


للأستاذ: عبد اللطيف الشيرازي الصباغ


أما الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم في مولده المبارك فحديث فرحة وبهجة، وحديث استبشار وأمل، وأما الحديث عنه صلى الله عليه وسلم في وفاته الفاجعة فحديث حزن وأسى، وحديث غُصَّة وانقباض.
والحديث عنه صلى الله عليه وسلم في ابتداء حياته وفي انتهائها وفي ضحاها وفي أصيلها، وفي كل مرحلة من مراحلها وحالة من حالاتها حديث لذاذة روحيَّة خصيبة ما عرف الناس أمتع منها ولا أرق ولا أعذب.
أما حوادث مولده صلى الله عليه وسلم، فهي حوادث ميلاد الرسول المنتظر من قبل أن تكتحل عيون البشر بمرآه والنظر إليه...
قال ابن إسحاق: فلما بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم كان مما يعدّ الله على قريش من نعمه عليهم وفضله ما ردَّ عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم، فقال الله تبارك وتعالى: [أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ(1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ(2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ(3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ(4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ(5) ]. {الفيل}.. وهكذا كان مولده صلى الله عليه وسلم فأل خير على قريش، وعلى العرب كافة عندما ردَّ الله عزَّ وجل جيش أبرهة على أعقابه ناكصاً في العام الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم والذي سمي فيما بعد بعام الفيل.
ومن لطف الله عزَّ وجل برسوله وكلاءته له وحفظه ما كان من أمر أبيه عبد الله بن عبد المطلب، وكيف أنقذه الله تعالى من الذبح الذي نذره أبوه عبد المطلب بن هاشم، ذلك أن عبد المطلب قد نذر حين لقي من قريش العنت في حفر بئر زمزم: لئن ولد له عشرة نفر وبلغوا معه حتى يمنعوه لينحرن أحدهم عند الكعبة لله تعالى، ولم يكن له وقتئذ إلا ولد واحد هو الحارث ().
ولما بلغ أولاد عبد المطلب عشرة، وعرف أنهم سيمنعونه أخبرهم بنذره فأطاعوه، وقالوا: كيف نصنع؟ قال: يأخذ كل رجل منكم قدحاً ثم يكتب فيه اسمه، ففعلوا وأتوه بالقداح، فدخلوا على هبل في جوف الكعبة، وكان أعظم أصنامهم، فقال عبد المطلب لصاحب القداح: اضرب على بني هؤلاء بقداحهم، وأخبره بنذره الذي نذر، وكان عبد الله أصغر إخوته وأحبهم إلى أبيه، فلما أخذ صاحب القداح يضرب، قام عبد المطلب يدعو الله تعالى، ثم ضرب صاحب القداح، فخرج قدح عبد الله، فأخذ عبد مطلب بيده، ثم أقبل إلى (أساف ونائلة) ليذبحه عندهما، فقامت إليه قريش من أنديتهما، فقالوا: ماذا تريد يا عبد المطلب؟ قال: أذبحه. فقالت له قريش وبنوه: والله لا تذبحه أبداً حتى تعذر فيه، لئن فعلت هذا لا يزال الرجل يأتي بابنه حتى يذبحه فما بقاء الناس على هذا؟ وقال له المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم: والله لا تذبحه أبداً حتى تعذر فيه، فإن كان فداؤه بأموالنا فديناه. وقالت له قريش وبنوه: لا تفعل وانطلق به إلى الحجاز فإن به عرافة لها تابع، فسلها ثم أنت على رأس أمرك، إن أمرتك بذبح ذبحته، وإن أمرتك بأمر لك وله فيه فرج قبلته، وأشارت الكاهنة بعد ذلك بأن يضرب بالقداح على عبد الله وعلى عشر من الإبل فداء له، فإن خرج على عبد الله زادوا في الإبل عشراً وضربوا أيضاً حتى يرضى ربهم، وإن خرجت على الإبل فلينحروها فقد رضي ربهم ونجا صاحبهم.
وهكذا كان فما زالوا يضربون القداح وهي تخرج على عبد الله ثم يزيدون في الإبل في كل مرة حتى بلغت الإبل مئة فخرجت بعد ذلك على الإبل فقال من حضر: قد رضي ربك يا عبد المطلب، فقال عبد المطلب: لا والله حتى أضرب ثلاث مرات، فضربوا ثلاثاً فخرجت القداح على الإبل فنحرت، ثم تركت لا يصد عنها إنسان ولا سبع.
إن خروج القداح على عبد الله في كل مرة حتى بلغت الإبل مئة هو تدبير من الله عزَّ وجل من عجيب حكمته وصنعه، ولولا معارضة قريش وبني عبد المطلب ومشورة الكاهنة لذهب عبد الله قرباناً لنذر عبد المطلب، ولكن شاء الله سبحانه وتعالى أن يحفظ أبا محمد حتى يظهر محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يحفظه بمثل هذا الفداء العظيم إيذاناً بأهمية المفدى وما سيكون منه، فلئن فدي إسماعيل عليه السلام جد النبي صلى الله عليه وسلم الأعلى بكبش عظيم إن والد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأدنى فدي بمئة من الإبل هي عند العرب آنذاك من عظيم المال ووفيره حتى إن أهل مكة وفتياتها كنَّ يتحدثن عن عبد الله الرجل الوسيم المفدى، وفي كل ذلك علامة باهرة على المجد العظيم الذي سيحمله عبد الله في مستقبل الأيام...
ولقد كان نور رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألق بين عيني أبيه عبد الله قبل أن يولد، تلمحه فتيات مكة يومئذ فيتمنين لو يتزوَّجن بعبد الله ليكون لهنَّ شرف حمل صاحب هذا النور، حتى تصل بهن الجرأة حداً لم يعهدها العرب يومئذ فيعرضن أنفسهن على عبد الله عرضاً ويغرينه بالمال حتى يرضى، ولكن عبد الله يأبى ذلك، ويتزوج بآمنة بنت وهب، وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسباً وموضعاً، فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتقل النور منه إليها... وكانت أمه تحدث أنها لم تجد حين حملت به ما تجده الحوامل من ثقل ولا وحم ولا غير ذلك...
كيف وهي تحمل النور الذي سيضيء ما بين المشارق والمغارب... وهل هناك أرق أو ألطف من النور وبخاصَّة إذا كان نور النبوة الهادية...
كانت أم الرسول آمنة بنت وهب تحدث فتقول: إنها أتيت، حين حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع إلى الأرض فقولي: أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد، ثم سميه محمداً.
ورأت حين حملت به أنه خرج منها نور رأت به قصور بصرى من أرض الشام، ثم لم يلبث عبد الله أبو الرسول أن هلك وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل به، وإنها لإيماءات ظاهرات تدل على كرامة الرسول صلى الله عليه وسلم على ربه وفضل الله عليه وهي أظهر في الدلالة حينما يتوفى أبو النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بطن أمِّه إشارةً إلى انتهاء مهمَّة عبد الله في إنجاب الطفل السعيد، ذلك الذي كان مَفْروضاً أن يذبح قُرباناً لله يفديه الله عزَّ وجل بمئة من الإبل ليعيش ويلد النبي الخالد ثم ليموت بعد ذلك بمشيئة الله وأمره...
وولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتيم الأب محروماً من رعايته وعطفه، ولكن ما حاجة رسول اله صلى الله عليه وسلم لرعاية الأب وعطفه وهو في رعاية الله وحفظه، يكلؤه الله ويربيه على عينه.
عن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال:«والله إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان، أعقل كل ما سمعت، إذ سمعت يهودياً يصرخ بأعلى صوته على أطمة بيثرب: يا معشر يهود! حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له: ويلك مالك؟ قال: طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به...
وبزغ نجم أحمد، وتكامل النجم يهدي أشعة الهداية للناس أجمعين، كل القلوب عطشى لصوب هدايته، وكل الأرواح متلهفة لأشواق رسالته، وهو لا يني يغزل لهم من خيوط النور نسجاً يستر عوراتهم ويواري سوءاتهم، ويغمرهم بشآبيب الرحمة فيضاً دافقاً من نجمه البازغ الذي لا ينضب نوره... وقام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بما كلفه الله به وبلغ الرسالة وأدى الأمانة ولقي واستهان به في جنب الله... وجهَّز لحجة الوداع، وهناك قال للناس: أيها الناس، اسمعوا قولي: فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً...
ونزل قول الله تعالى:[ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا] {المائدة:3}. لقد كمل الدين إذن وتمت النعمة ولم يبق لرسول الله المبلغ الأمين إلا أن يستعد للقاء ربه بعد أن أدى المهمة على خير وجه.
وفي أول شهر ربيع الأول ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكواه الذي قبضه الله فيه إلى ما أراده به من كرامته ورحمته.
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع ـ حيث زار أهل البقيع واستغفر لهم ـ فوجدني وأنا أجد صداعاً في رأسي، وأنا أقول وارأساه! فقال: بل أنا والله يا عائشة وارأساه! ثم قال: وما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك؟ قلت: والله لكأني بك لو قد فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك، قالت: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنامى به وجعه وهو يدور على نسائه حتى اشتد به المرض وهو في بيت ميمونة، فدعا نساءه فاستأذنهن في أن يمرض في بيتي فأذن له.
واشتد المرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الحمى شديدة عليه حتى كان يغيب ثم يفيق بعد ذلك.
وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مرضه عاصباً رأسه حتى جلس على المنبر، ثم كان أول ما تكلم به أنه صلى على أصحاب أحد واستغفر لهم، فأكثر الصلاة عليهم، ثم قال: إن عبداً من عباد الله خيَّره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله، ففهمها أبو بكر، وعرف أنه يريد نفسه، فبكى وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا يا رسول الله.
قال ابن إسحاق: وقال الزهري: حدثني أنس بن مالك: أنه لما كان يوم الاثنين الذي قبض الله فيه رسوله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الناس وهم يصلون الصبح فقام على باب عائشة فكاد المسلمون يفتتنون في صلاتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه فرحاً به، وتفرجوا ـ ذهب عنهم الهم ـ فأشار إليهم: أن اثبتوا على صلاتكم، فتبسم رسول الله سروراً لما رأى من هيئتهم في صلاتهم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن هيئة منه تلك الساعة، ثم رجع، وانصرف الناس وهم يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أفرق من وجعه ـ برئ ـ.
وعن عائشة قالت: رجع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم حين دخل من المسجد فاضطجع في حجري، فدخل علي رجل من آل أبي بكر، وفي يده سواك أخضر، فنظر رسول اله صلى الله عليه وسلم إليه في يده نظراً عرفت أنه يريده، فقلت: يا رسول الله أتحب أن أعطيك هذا السواك؟ قال: نعم. فأخذته فمضغته حتى لينته، ثم أعطيته إياه، فاستاك به كأشد ما رأيته يستاك بسواك قط، ثم وضعه ووجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثقل في حجري، فذهبت أنظر في وجهه، فإذا بصره قد شخص، وهو يقول: بل الرفيق الأعلى من الجنة، فقلت: خيرت فاخترت والذي بعثك بالحق، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما أشيع عن وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم اضطرب الصحابة جميعاً لهول الكارثة، وزلزلت المدينة زلزالها، وطاشت عقول كثير من الصحابة والسابقين إلى الإسلام فمنهم من عقل لسانه، ومنهم من أقعد عن الحركة ومنهم ـ وهو عمر ـ قام شاهراً سيفه فقال: إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات ولكنه ذهب إلى ربه، كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل: قد مات... ووالله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رجع موسى، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات.
وكان أبو بكر وحده ثابت الجأش فأقبل حين بلغه الخبر، وعمر يكلم الناس فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم  في بيت عائشة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مُسجى في ناحية البيت، فأقبل حتى كشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل عليه فقبله وقال له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما أطيبك حياً وميتاً! أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبداً يا رسول الله اذكرنا عند ربك، ثم خرج وعمر يكلم الناس، فقال: على رسلك يا عمر. أنصت. فأبى إلا أن يتكلم، فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس، فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا قوله تعالى:[وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ] {آل عمران:144}. فلما تلاها أبو بكر أفاقوا من هول الصدمة وكأنهم لم يسمعوها من قبل، وأخذها الناس عن أبي بكر وجعلوا يرددونها في أفواههم.
فقال أبو هريرة رضي الله عنه: قال عمر: فوالله ما هي إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت ـ دهشت ـ حتى وقعت إلى الأرض ما تحلمني رجلاي، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات.
ولما توفي عليه الصلاة والسلام قالت فاطمة رضي الله عنها: يا أبتاه أجاب رباً دعاه، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه من إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه من ربه ما أدناه، وقد عاشت فاطمة رضي الله عنها بعده صلى الله عليه وسلم ستة أشهر فما ضحكت تلك المدة قط وحق لها ذلك.
وروي أن بلالاً لما كان يؤذن بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وقبل دفنه، فإذا قال أشهد أن محمداً رسول الله ارتج  المسجد بالبكاء والنحيب، فلما دفن ترك بلال الأذان.
وقد روي عن أنس قال: لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، وما نفضنا أيدينا من التراب وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا.
ولما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت فاطمة رضي الله عنها فقالت: كيف طابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب. وأخذت من تراب القبر الشريف ووضعته على عينيها وأنشأت تقول:
ماذا على من شم تربة أحمد    أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت عليَّ مصائب لو انها    صبت على الأيام عدن لياليا
وهكذا توفي رسول الله واغتمَّ الناس لذلك غماً شديداً، وأصابهم من ذلك مثل الدوار والذهول بل أكثر من الدوار والذهول، والمسلمون يحبون رسول الله حباً ما سمع الناس بمثله ولا قرؤوا عنه في قصص الحب والمحبين وأساطيرهم، إنهم يحبونه أكثر من حبهم أنفسهم وأبناءهم وآباءهم والناس أجمعين. لا يؤمن أحدهم حتى يتحقق بذلك تحققاً، فكيف بهم ينظرون ويتأملون فإذا هم يرون أن ذلك الذي كان يعيش معهم وبين أظهرهم والذي أعطاهم من عقله وقلبه وجسمه كل شيء ولم يبقَ لنفسه شيئاً ولم يأخذ منهم شيئاً، ذلك الذي نقلهم من جاهليتهم إلى إسلامهم نقلة تاريخية معجزة ما كان يخطر ببالهم خيال عنها ولا ظلال منها، ذلك الذي وصلهم بالله صلة علوية خالصة وفتح قلوبهم وعقولهم على وحيه وهداه فإذا بهم ينتعشون ويحيون الحياة التي تليق بالإنسان، كيف بهم ينظرون فإذا هم يَرون رسول الله قد فَارقهم إلى غير رجعة واختار الرفيق الأعلى وإذا بهم يجدون أنفسهم وحيدين بدون رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها لكارثة مذهلة ما في ذلك شك.
وفي اليوم الذي طلع فيه نجم أحمد الذي ولد به غاب فيه نجمه الذي مات فيه، ذلك النجم بجرمه المادي، أما شأنه بحقيقته الروحية، أما نوره الذي بثه في الكون والوجود فهيهات أن يغيب، هيهات...!


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين