هكذا هي الحياة

 

شاء الله تعالى أن تكون هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان لكل البشر مؤمنهم وكافرهم، بَرهم وفاجرهم.

والابتلاء يكون بالخير كما يكون بالشر، فيكون الابتلاء بالصحة والمرض، والغنى والفقر، والموت والحياة، والأمن والخوف، والمال والولد...

وهذا الابتلاء يتطلب الشكر على النعم والخيرات، و الصبر على المصائب والأذى، ولهذا قيل الإيمان نصفه شكر ونصفه صبر.

وهذه طبيعة الحياة، وهذا حالها، فرح وأحزان، خير وشر، وسعادة وشقاء.

وفي ذلك يقول الشاعر:

حكم المنية في البرية جار           =      ما هذه الدنيا بدار قرار

طبعت على كدر وأنت تريدها      =      صفواً من الأقذار والأكدار

وسنة الله في الابتلاء قدر كوني يجري على كل البشر، حتى على الأنبياء والرسل الذين هم أكرم الخلق على الله تعالى، وأفضلهم عنده سبحانه.

ابتلاء الأنبياء والرسل:

لقد حكى القرآن الكريم قصصاً من ابتلاء أنبيائه ورسله مع أقوامهم المكذبين المعاندين.

ومن ذلك: التكذيب، والتهجير، والقتل، والسجن، وموت القريب، وشظف العيش... وكان الصبر على الابتلاء هو خلقهم ونمط حياتهم.

[ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ] {البقرة:61} [وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ] {الأنفال:30}.

وعن يوسف عليه السلام:[ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ] {يوسف:42}. وإذا كان هذا مع الأنبياء فإن أتباعهم قد نالوا من ذلك وأكثر:[ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالقِسْطِ مِنَ النَّاسِ] {آل عمران:21}.

ولا شك أن درجة الابتلاء تتفاوت وتتنوع في كيفها وكمها من عصر إلى عصر ومن مكان إلى آخر.

الابتلاء والسؤال المكروب:

[أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ] {البقرة:214} 

إنه سؤال من الرسول والذين آمنوا معه: متى نصر الله؟ يصور القرآن الكريم مدى المحنة التي تزلزل مثل هذه القلوب الموصولة بالله تعالى، وينبعث منها ذلك السؤال المكروب: (متى نصر الله).

سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام ودروس في الابتلاء:

في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم دروس في الابتلاء والصبر وهو أكرم الخلق على الله سبحانه، فصبيان الطائف رموه بالحجارة حتى أدموا قدميه، وهو قد خرج إليهم ليدعوهم إلى الله تعالى، ومشركو مكة ألقوا عليه سلا الجزور وهو ساجد أمام الكعبة، ثم ترك مكة مهاجراً إلى المدينة مع حبه لمكة وتعلقه بها، وفي غزوة أحد في المدينة كسرت رباعيته، وشج رأسه الشريف، وقتل سبعون رجلاً من خيرة أصحابه...

هكذا الحياة:

إن الصراع بين الحق والباطل، بين الخير والشر سُنة كونية نال منها الأنبياء والرسل ما ناله أتباعهم من المؤمنين، قتلاً وتشريداً وسجناً، وأذى، واضطهاداً، وليس للأنبياء وأتباعهم حيال ذلك سوى الصبر والتسليم لحكم الله الكوني الذي هو سُنة الله في الخلق والتدبير، وإن ذلك لا يمنع بل يتوجب على المسلمين الاستفادة من دروس الابتلاء، بتصحيح الأخطاء ومحاسبة النفس، والاعتصام بحبل الله تعالى: (ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة) حديث حسن.

شعبنا السوري والابتلاء العظيم:

إن المحنة التي يمر بها أهلنا في سوريا ابتلاء عظيم وهم يواجهون قوى الكفر والطغيان العالمي عدداً وعدة ومكراً وتواطئا كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قتلاً وسجناً وتشريداً وحصاراً وتجاوزاً للقوانين الدولية بااستخدام الأسلحة المحرمة.

ويمكن أن نسجل هنا بعض الوقفات:

الوقفة الأولى: ضرورة الصبر على البلاء:[فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ] {غافر:77} [إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ] {الزُّمر:10}.

الوقفة الثانية: ثقتنا بأن الله تعالى ناصر دينه ومنجز وعده بنصر المؤمنين وخذلان الطغاة والكافرين:[ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ] {الرُّوم:47}.

الوقفة الثالثة: إيماناً بأننا على حق وأن أعداءنا على باطل مهما انتفخ الباطل وعلا شأنه.

الوقفة الرابعة: ضرورة أن نحاسب أنفسنا ونراجع أمرنا لنتعرف على مواطن الخلل والأخطاء التي وقعت ونرسم طريقاً جديداً على أساس يتجاوز فيه أخطاء الماضي وسلبياته لمستقبل قادم بإذن الله.

وأملنا في الله كبير ونحن نردد دائماً قوله تعالى: [سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا] {الطَّلاق:7} [لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا] {الطَّلاق:1}.

والله المستعان وعليه التكلان.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين