عبادة الرباط...عزة في زمن الهوان؟

عبادة الرباط.. عِزّة
في زمن الهوان؟


بقلم: إكرام الزيد
الرياض


حينما هممتُ بكتابة هذه المقالة، تزاحمت الأفكار في رأسي كل واحدة تقول أنا أولاً، فما يحدث في أمتنا الإسلامية اتسع خَرْقه، وتشعبتْ فيه الآراء، والهوان الذي بات نِدّاً للمسلمين لم يعد بخافٍ على العِيان، بَيْد أنّ الحديث عن المسجد الأقصى وعمّن حوله من المجاهدين المرابطين هو من أبرز القضايا النازلة التي يجب الإشادة بها، فما يقومون به من إقامة في قلب تجمع اليهود والمكْث على الثغور لقتال العدو المحارب هو إحياء مشرِّف لعبادة الرباط.
ولئن كان المسلمون في رام الله يعانون من الاحتلال، وفي غزة يعانون من الحصار، فإنهم في القدس داخل أراضي 48 بالذات يعانون من التآمر على الهوية وكسر الرموز والمقدسات، من خلال مصادرة الأراضي والإلزام بالجنسيات «الإسرائيلية» وتضييق الخناق عليهم، ومنع المدارس الإسلامية، فكأنهم بذلك يشابهون مسلمي البلقان ودول وسط آسيا الذين كانوا في قلب الاتحاد السوفييتي الشيوعي، ومع ذلك فقد كانوا يعلِّمون أولادهم الإسلام بمبادئه الأصلية، فلما سقط الاتحاد السوفييتي ظهرت أفواج من المسلمين كانوا من خلف الستار يعملون ويربّون ويرابطون.
إنّ الحاجة في هذا الوقت الذي يحارَب فيه المنهج النبوي، وتُكبت أصوات الدعاة، ويميَّع العلم الصحيح، تَبْرُزُ في ميادين الصراع - خاصة - الحاجة الضرورية إلى تعلّم المنهج والالتزام بالهوية وبث روح التفاؤل والثقة بنصر الله تعالى، مع معرفة دقيقة بفقه الرباط وتفريعاته تُشرَّب للشباب العاملين في هذه الميادين تثبيتاً لهم وتقوية، وهذا ما نراه عند مجاهدي فلسطين الذين هم على خط النار الأول، ولقد رأيتُ في الإنترنت كتابة جميلة لأحد الإخوة من غزة قائلاً: (وإذا أحببتم أن تكونوا من الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، فاعلموا أن أبرز صفات هذه الطائفة أنها طائفة: مرابطٌ أهلُها، صابر أتباعها على الحق وتبعاته، فكما تحمّل سلفنا الصالح هذه الرسالة، وتكبّدوا المشاق حتى أوصلوها إلينا، فلا بد علينا أن نتحمل هذه التبِعة، ونسلِّم الراية للجيل الذي سيأتي بعدنا، محتسبين في ذلك كله وجه الله الكريم، غير مكترثين برضا أحد إلا برضاه...).
ولعل من أبرز شخصيات المرابطين الشيخ المجاهد رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين، الذي وقع عليه الظلم عندما حُكم عليه بالسجن، خاصة بعد دفاعه الباسل عن الأقصى، غير أن الشيخ حفظه الله لا يقيم في قلبه وفكره للظالمين وزناً، وإنما يستحضر في وجدانه بشرى الصادق المصدوق [: «‏رباط يوم وليلة في سبيل الله كصيام شهر وقيامه، إن مات جرى عليه أجر المرابط حتى يُبعَث ويؤمَن الفتّان» رواه أحمد. لكن مما يأسى القلب له أنّ مثل هذه الشخصيات الصامدة - كالشيخ صلاح وإخوانه - مغيّبون عن الإعلام العربي اللاهث خلف النجوم المزيفة، مما يوجب على رموز هذه الأمة الصادقين أن يُبرزوا للأجيال هؤلاء الأعلام؛ خاصة من أمثال الشيخ الذين يحملون الراية ويَرْتَقون الصِّعاب ويواجهون العالم بمبادئهم الراسخة، صابرين ومصابرين ومرابطين استجابة لأمر الله عز و جل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين