خط مخدرات نظام الأسد

خط مخدرات نظام الأسد من لبنان إلى دول الخليج ومجددًا إلى مناطق الجيش الحر

كانت أياما قاسية في فرع التحقيق العسكري (248) في دمشق مطلع عام 2014، كثيرون أولئك الذين استقبلتهم وودعتهم في السجن المُظلم تحت الأرض كنت الأقدم في ذلك الجناح والمسؤول عن الغرفة الخمسين الواقعة في جناح الضباط... 

كل يوم وجوه جديدة، هياكل عظمية أجساد متقرحة أمعاء ملتهبة ونفوس بائسة وأفئدة خائفة وأفكار شتى، كان علي أن أراقب حجم المرض والجرب والقروح القادمة من سجون أفرع فلسطين أو الجوية أو المنطقة أو كتيبة المداهمة أو صيد نايا؛ وأوزع الدواء وأزيد في كمية الطعام للهياكل العظمية التي يأتون بها من الأفرع الأخرى لإراحة أجسادهم من الجوع والمرض قبل أن تظهر في العلن ضمن اتفاقيات المصالحة التي يعقدها النظام مع أحياء دمشق وقراها، ضمن السياسة العلوية في محاصرة الثورة ومؤيديها في دمشق وريفها... 

مع اقتراب شهري العاشر في ذلك الفرعِ؛ كانت قليلة تلك الأوقات التي كنت أشرح فيها بعض تعاليم الدين وتنتهي على خير...

كان وجود الشباب السلفية من جبهة النصرة أو غيرها - على ما هم عليه من طيبة شخصية - ينهي كل قضية دينية بسيطة بمأساة جدلية تجعل الكثير ممن تابوا في السجن وتعلموا الصلاة والدين فيه يفكرون برمي كل مواثيق التدين والطاعة لله التي أخذوها على أنفسهم... لقد كانت غرفتنا صورة مصغرة عن المأساة التي تعيشها الثورة خارج السجن...

بدأت أعتزل أحاديث الدين والفقه إلا بمقدار الضرورة كرهت الكثير من عقائديي الثورة المتدين منهم والعلماني على السواء وبدأت أحب أكثر البسطاء من شباب الثورة والجيش الحر... كان بجانبي أحد هؤلاء الذين انخرطوا في طريق الثورة بدون أي خلفية عقائدية سوى الظلم الذي أشعل دماءهم فتركوا الغالي والنفيس وبذلوا أنفسهم في إسعاف الجرحى وحماية نساء حمص وأطفالها الذين تاهوا في براري القصير ناجين بأعراضهم وأرواحهم بعد أن فقدوا رجالهم في المذابح العلوية الشهيرة... كان شابا طيبا خلوقا من إحدى المدن الحدودية مع لبنان... كان يعمل في التهريب وكان يحمل كل أنواع البضائع على طريق التهريب بين حدود لبنان والأردن وكانت مخابرات النظام تقبض أجرتها على حماية هذه الطريق بل والإشراف عليه...

كان بين سوريا ولبنان عند منطقة سرغايا والنبي شيت تحديدا نفق طويل ومُعَبَّد محفور أسفل الجبال يمتد لكيلوات الأمتار يُدعى الخط العسكري، مخصص لنقل العتاد بين الأسد وحزب اللات وكان المُهربون ينتظرون قوافل النظام التي تنقل البضائع السرية والمجهولة لينضموا إليها لتسهيل عملية التهريب بعد الاتفاق مع مفرزة الحماية مقابل مبلغ معلوم.

كانت المخدرات من أبرز البضائع المهربة من لبنان وإلى الأردن ثم الخليج، كما كان تهريب المغربيات والمصريات والعراقيات إلى دمشق أو لبنان للعمل في الملاهي الليلية من الأعمال الرائجة، بالإضافة إلى أعمال المافيا العراقية التي تقوم بنقل الذهب وأدوات تزوير العملة وأقلام الاغتيال السرية والبضائع المهربة عبر هذا الخط الرهيب، خط لبنان دمشق ومن ثَمَّ العراق والأردن والخليج...

كانت شبكات نشر المخدرات في دمشق بالإضافة إلى إدارة مراكز الدعارة في برزة وجرمانا وغيرها مرتبطة ببعضها ارتباطا وثيقا تمثل النساء العلويات النسبة الأبرز فيها... وكان لنظام الأسد الإشراف الكامل على عملية نشر المخدرات والدعارة في ريف مدينة حماة ودمشق على الخصوص... 

نادرون جدا أولئك الذين رأيتهم في السجن على مدى سنتين لم يتعاطوا الحشيش أو الإكستاسي أو الهيروئين والبالتان والكبتاجون وغيرها، وكنت أقارن دائما بين الحضيض الذي يعيشه شعبنا في أحضان الأسد وبين مثالية الإسلاميين في بلادنا، وهو ما يجعلني دائما في إعادة النظر في أولويات الجماعات الإسلامية العاملة في بلادنا والتي لا يتناسب طرحها كثيرا مع الواقع الذي يعيشه شبابنا السوري البائس.

** إن ما سمعته عن خط مخدرات النظام الذي يصل إلى كل دول الخليج أعاد ذاكرتي إلى أيام حلب وما كنت أعرفه عن بعض شيوخ العشائر المشهورين من شراكة مع القصر الجمهوري في تجارة المخدرات والسلاح... 

طبعا كان بشار الأسد - كأبيه - قد رسخ في عقول الناس فكرة الحاكم المؤمن الصالح المُحاط بضباط ورجال أعمال فاسدين يعملون في تهريب المخدرات وحرب الدين ويمنعون أي إصلاح في البلاد - مع عدم رضى - الرئيس المخلص - عن كل هذه الأعمال الدنيئة كما كان يكرر ذلك الدكتور البوطي ومن على نهجه.

** بعد خروجي من السجن نقل لي أحد الثقات عن أحد شيوخ العشائر المقربين لنظام الأسد في حلب أنه سجن عدة مرات بسبب رفضه نقل مخدرات الاستخبارات بسيارات الشحن التي يمتلكها إلى دول الخليج في سياق مخطط نظام الأسد لنشر المخدرات في دول الخليج لتدمير الشباب المسلم فيها على المدى الطويل... 

** مخدرات النظام في مناطق الجيش الحر:

انتشرت في الفترات الأخيرة الكثير من أنواع المخدرات في مناطق سيطرة الجيش الحر في شمال سوريا، حيث يتم توزيعها بأبخس الأثمان على الشباب ويتم إدخال قسم آخر منها إلى تركيا لبيعها للأتراك أو للسوريين في المخيمات وقد انتشر هذا الوباء حتى أصبح لا يطاق... لم يستطع قادة منطقتنا ووجهائها المخلصين ضبط الأمر بسبب مشاركة بعض قادة الجيش الحر المتنفذين وأبناء وجهاء الثورة - من البعثيين القدامى - في هذا العمل... ولدى ملاحقة هذا الخط قبل شهور وجدت هذه البضائع آتية من جهة عفرين... 

** لا شك عندي أن هذه المخدرات تأتي من خط مخدرات آل الأسد ومخلوف يقومون بتصديرها إلى مناطق الجيش الحر بأبخس الأثمان لإعادة السيناريو الذي نفذوه في حماة ودمشق منذ الثمانينيات...

** والمطلوب اليوم من قادة الريف الشمالي - المخلصين منهم - التكاتف مع الوجهاء في مدن الشمال وفي مخيمات اللجوء لمحاصرة هذا الوباء والتخلص من الفاسدين المتورطين فيه لما له من أثر في تدمير الجيل لسنوات طويلة...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين