لا علاقة للغرب بالأمر

ينحى كثير من المسلمين باللائمة في تأخر المسلمين وتخلفهم على الغرب... وتخطيطه... وتدبيره... وأنه هو مِن وراء ما وصلنا إليه اليوم من تشرذم... وإعاقة حضارية وثقافية واجتماعية .

ويعضد هؤلاء أقوالهم بعبارات اشتهرت في مرحلة من المراحل عن بعض قادة الحروب الصليبية من مثل : دمروا الإسلام أبيدوا أهله . 

ويولع هؤلاء بتعليق أي حدث على شماعة المؤامرة ... ويرون أن أية حالة غير طبيعية وغريبة فإن تآمر الغرب واتفاق شعوبه تهمة جاهزة وقضية معلّبة وحاضرة ... 

ونحن وإن كنا لا ننفي تآمر الغرب على الإسلام منذ زمن بعيد إلى اليوم، إلا أننا لا نثبته في كل صغيرة وكبيرة من مشكلات المسلمين العالقة والعصية على الحل ... ومن غير المنطقي والعقلي أن نرجع كل مشكلاتنا إلى الغرب ... ومن العجز بمكان أن نرمي بمآسينا على غيرنا ، على ما قال الخليل بن أحمد الفراهيدي: 

وَعاجِزُ الرَأيِ مِضياعٌ لِفُرصَتِهِ * حَتّى إِذا فاتَ أَمرٌ عاتَبَ القَدَرا

رمى سبب فشله على الأقدار ... وعلّقه على البشر ... تماماً كما يصنع الطالب الفاشل الذي ما أحسن الإجابة في الامتحان ، وكان من قبلُ لم يحسن التحضير والدراسة، ثم راح يرجع سبب رسوبه إلى تقصُّد الأستاذ إياه... أو إلى صعوبة الأسئلة...أو ضخامة المنهج...أو عقم المقررات ... أو الإصابة بالعين... أو إلى عدم دعاء الوالدين، ونسي أو تناسى أنه هو المسؤول المباشر والبعيد ، والأول والأخير؛ بعدم تحضيره ودراسته طول أيام السنة، فهو كما قال المثل العربي القديم : يداك أوكتا وفوك نفخ، وقصة هذا المثل أنَّ رجلاً كان في بعض جزائر البحر، فأراد أن يعبر على زق ( قارب مطاطي) ، وقد نفخ فيه فلم يحسن إحكام إغلاقه، حتى إذا توسط البحر خرج منه الهواء فغرق، فلما غشيه الموت استغاث رجلاً؛ فقال له الرجل: " يداك أوكتا وفوك نفخ " أي: أنت فعلت هذا بنفسك.

ونحن كذلك أيها السادة ... نحن من فعلنا هذا بأنفسنا ... وجلبنا التخلف على قومنا ... وأخرنا مجتمعاتنا سنين طويلة ... ولا دخل للغرب في ذلك ... 

خبروني بربكم ... ما دخل الغرب في إنسان يترك الصلاة، ويعق والديه، ويحرم الفقراء حقهم من زكاة ماله ؟؟؟. 

ما دخل الغرب فيمن ظلم الناس في أنفسهم وأموالهم وحقوقهم ؟؟

ما دخل الغرب فيمن لم يسلم منه جار قريب ولا بعيد ؟؟؟

ما دخل الغرب فيمن لا يحافظ على نظافة داره... أو مسجد حيه... أو طريقٍ في بلده ؟

ما دخل الغرب فيمن يرمي من نافذة سيارته بقايا سيجارته أو منديلاً ورقياً امتخط فيه ؟ .

ما دخل الغرب فيمن خان الأمانة وتعود على الخيانة... خيانة الوطن والزوجة والذات والضمير والعهد المسؤول ؟ 

ما دخل الغرب فيمن ساءت أخلاقه وتردت طباعه وسمجت أفعاله ؟؟؟ 

ما دخل الغرب في ملايين مملينة من المسلمين لا يصلون الفجر في المسجد أو وقتها . 

ما دخل الغرب في أعداد هائلة من المسلمين تمر عليهم السنة ولا يفتحون المصحف أو يقرؤون منه آية إلا ما تفرضه عليهم الصلاة المفروضة من قراءة واجبة .

ما علاقة الغرب في مدرس لا يحضِّر درسه، أو خطيب جمعة لا يعد لخطبته، أو تاجر يكذب في تجارته، أو بائع يغش في سلعته ؟

ما علاقة الغرب في امرأة يأتي عليها رمضان ثان وثالث ورابع، ولا تقضي الأيام التي أفطرتها في رمضانَ سابقٍ بسبب العادة الشهرية ؟ 

ما علاقة الغرب في أب ضيع أبناءه، وآذى زوجته، ومنع إخوانه وأخواته حقهم من الميراث ؟ 

ما علاقة الغرب فيمن تتبع عورات الناس، وعاكس بنات المسلمين في المجمعات التجارية، ولم تنج من شره فتاة عزباء... ولا امرأة شوهاء... ولا عجوز شمطاء ... 

بربكم ... آلغرب أوحى إليهم بهذا .... آلغرب أوعز إليهم بذلك ... آلغرب خطط لهذا ودبر وأحكم المكِيدة ؟ 

... لا أبداً ... بل نحن من فعل ذلك بأنفسنا ... بجهلنا.... بغفلتنا .... وقد حذرنا الله من الغفلة كي نؤخذ على غرة فقال : { وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً }النساء102.

أيها السادة الأماثل : 

إن من سنن الله تعالى في الخلق أنه لا يستطيع أحد أن يفعل بالآخرين أسوأ مما يمكن أن يفعلوه بأنفسهم. 

أوَ ما قرأنا ما حكاه الله في قرآنه عن إبليس حين قال : {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }إبراهيم22.

أو ما مررنا على قوله تعالى : {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ }الحجر42.

من أفسح في حياته وقبله ووقته لوسوسات الشيطان فانقاد له وصار من جنده ...

وكنتُ فتىً من جند إبليس فارتقى*** بي الأمر حتى صار إبليس من جندي

أيها السادة الأخيار : 

إن مشكلتنا اليوم أخلاقية في الدرجة الأولى... وليست غربية ... نحن مصابون في أخلاقنا ... حصوننا مهددة من الداخل ...

دواؤك منك وما تبصر *** وداؤك فيك وما تشعر 

داؤنا سوء الأخلاق*** ودواؤنا في العودة إلى الأخلاق 

وَإِذا أُصيبَ القَومُ في أَخلاقِهِم *** فَأَقِم عَلَيهِم مَأتَماً وَعَويلا

صلاح أمرك للأخلاق مرجعه *** فقوم النفس بالأخلاق تستقم

إن نسبة تآمر الغرب علينا لا تتجاوز 20% ولكن أين الثمانون بالمائة الأخرى ... هي بين أيدينا ... ورهن تصرفاتنا ... وقد لخص لنا القرآن القضية كلها وأجملها في قوله تعالى : {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران165، وقوله تعالى : {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }آل عمران120.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين