هل الشرعيون من أسباب انتشار ظاهرة الإلحاد والردة في الأمة ؟ (12)

حوار مع عدد من الشرعيين 

كتب أحد الأساتذة الشرعيين وهو الدكتور محمد أبو زيد هذه الكلمة :

قال مُحدِّثي: هناك ظاهرة ردة وإلحاد في الدول الإسلامية.

قلت له: نحن الشرعيون سببها الرئيس، لو كنا قدوة وتخلّقنا كما أمرنا الله، وبلّغنا الدِّين بثقافة هذا الزمان بعد أن ندرك واقع الناس وظرف الأمة.. لما حصل ما حصل.

وقد نشرنا في الحلقات السابقة عددا من التعقيبات والمناقشات، ووصلنا هذا التعقيب الواسع المفصل من الأخ الكريم الدكتور إبراهيم عبد الله سلقيني ، فنفرده بالنشر.

هل الشرعيون من أسباب انتشار ظاهرة الإلحاد والردة؟!!

قبل الكلام عن واجبات وتقصيرات الشرعيين يجب علينا أن نعرف أن الدعوة للإيمان بالله وتحصين الأمة من الإلحاد هو واجب جميع المسلمين وليس واجب الشرعيين وحدهم، بخلاف العلوم الاختصاصية ، كالفتوى للفقهاء والحكم على الأحاديث للمحدثين وتفسير القرآن للمفسرين...

فعندما نتكلم عن انتشار ظاهرة الإلحاد فهذا دليل على ضعف عام في جميع مفاصل وهياكل الأمة، وأن هذا الضعف يجب إصلاحه، ويجب توجيه الشباب بكلِّ تخصُّصاتهم وفئاتهم وقطاعاتهم للدعوة للإسلام عموماً بين غير المسلمين، وتقوية إيمان المسلمين على وجه الخصوص، وتنبيههم إلى أنَّ هذا واجب كل مسلم ولو كان أمياً أو عامياً أو جاهلاً، فيجب عليه أن يدعو غيره ضمن الطاقة والإمكان، وما عجز عن الإجابة عنه أو صعب عليه، فيجب عليه أن يسأل أهل الاختصاص ليقوي نفسه ويستمر في مسيرته...

وهنا تثور في أذهاننا قضية في غاية الأهمية، وهي أولئك غير المختصين في العلوم الشرعية، كالأطباء والمهندسين واللغويين وغيرهم، وأصبحوا يفتون في الأحكام الشرعية ويضعفون ويصحِّحون الأحاديث ويتكلمون في كتاب الله بغير علم، وهم مقصرون في فرضهم الأكبر وهو الدعوة للإسلام والإيمان وتقوية حصانة الأمة من الإلحاد...

فهلا كان الأجدر بهم أن ينشغلوا بفرضهم عن التقحم فيما يجهلون؟!!

فأفسدوا من وجوه:

1- ترك الفريضة الواجبة عليهم وهي الدعوة للأصول مع قلة الدعاة وضعف الدعوة.

2- الخوض فيما يجهلون، وما ينتج عن ذلك من تحريف وتزوير وأخطاء فاحشة.

3- انتكاس الناس عن الدين عندما يدركون خطأ الأشياء التي جعلها هؤلاء جزءاً راسخاً من دين الله، فيشكون في الدين بدلاً من الشك في كلام هؤلاء الذين وثقوا بهم.

وهنا تبدأ مشكلة موضوعنا هذا؛ هل هؤلاء شرعيون لننسب إلحاد الناس إليهم؟!! 

وهل يصح نسبة ما يفعله هؤلاء المتعالمون للشرعيين؟!!

وهل الأجدر بنا الشك في الله خالق الكون، أم الشك في أهلية هؤلاء المتطفلين؟!!

فهل نضحِّي بإيمان الناس بالله، أم نضحِّي بهذه الأصنام والعروش والكروش والهيلمانات المزيفة؟!!

وهنا تتفتق لنا مجموعة من الأسئلة، والإجابة عليها تحدد تلقائياً الإجابة عن السؤال الرئيس: 

هل الشرعيون من أسباب انتشار ظاهرة الإلحاد والردة؟!!

هذه الأسئلة هي:

- هل أولئك غير المختصين في علوم الشريعة ووصفوا أنفسهم بالشرعيين هم من الشرعيين؟!!

- هل أولئك الفاشلون في دراستهم الثانوية ودخلوا في الاختصاص الشرعي لأن مجموع درجاتهم لم يكفي لغيره هم من الشرعيين؟!!

- هل أولئك الذين يتكلمون في خطبهم ومواعظهم عن الإيمان بالله واليقين بجنته، ثم يبخلون في تقديم أولادهم لساحات الجهاد ويؤثرون سلامتهم هم من الشرعيين؟!! وهل آمنوا وأيقنوا حقاً بما يدعون إليه الناس؟!!

- هل أولئك الذين يحثون الناس على القتال والجهاد حتى آخر قطرة من دماء غيرهم، ويجبنون عن القتال، وتعلقوا بعروشهم وكروشهم ودنياهم هم من الشرعيين؟!!

- هل أولئك المفسرون الذين يفتون في الفقه والمحدثون الذين يخوضون في التفسير واللغويون الذين يتكلمون في كل العلوم والفنون والاختصاصات الشرعية وغير الشرعية هم من الشرعيين؟!!

- هل أولئك الذين يتقمصون الشخصيَّة السياسية فيغفلون بسببها عن اختصاصهم، فيبدؤون بإصدار فتاوى يشرقون فيها ويغربون فيتعلمنون ويتروسون ويتأمركون، ويبدأ نور الإسلام عندهم يشرق من روسيا وأمريكا وغيرها؛ هل هؤلاء محسورين على معاشر الشرعيين؟!!

- هل أولئك الذين يفتون للفصائل أو لدول الملوك والطوائف، ويعملون لحساب السياسيين والعسكريين فيها، ويصدرون الفتاوى لحسابهم أو لتبرير الواقع الخاطئ والمخالف للشرع في ذات الوقت، بدلاً من الضغط عليهم ليلتزموا الجادة ويصححوا المسار، حتى صار أولئك (الشرعيون) عبيداً لـ(السياسيين والعسكريين)، بدلاً من أن يخضع السياسي والعسكري لأحكام الشرع، أو يخضع للمنطق الذي يجب الالتزام به لإصلاح المسار وإصلاح الساحة السياسية والعسكرية، هل تصح تسمية هؤلاء بالشرعيين؟!!

إذا كانت الإجابة عن الأسئلة السابقة بـ"نعم"، فالشرعيون هم سبب كل إلحاد في الدنيا؛ لأنهم يحثون الناس على الإيمان ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبهم، ويعلِّمون الناس علوم الشريعة ولم يعرفوها هم، ويحثون الناس على الزهد ولم يعرف الزهد لحياتهم طريقاً، ويطلبون من الناس تعلم علوم الشريعة ولم يعرفوا هم اختصاصهم ولا دورهم ولا واجباتهم ولم يلتزموا بها، ولم يقفوا عند حدودهم الشرعية والفكرية والعلمية وتعدوها...

فكيف يرشدون الناس إلى الإسلام وهم لم يعرفوا حقيقة الإسلام بعد؟!!

أما إذا كانت الإجابة بـ"لا"؛ فلم يكن الشرعيون يوماً من الأيام عبيداً للعبيد، ولم يكونوا إلا صمام أمان للأمة في الحفاظ على دينها ويقينها بالله، ولم يكونوا إلا سوطاً مسلطاً على رقاب الفراعنة وشياطين الإنس...

وطلبة العلم هؤلاء لم تَخْلُ الأمة منهم في عصر من العصور، ولم يضعفوا أبداً مهما خذلهم المرجفون والمنافقون والمتعالمون ومتمشيخي السلاطين والباطنيين، ولم يتحرك في الأمة تنظيم مشبوه أو منحرف إلا سعوا جماعات ووحداناً لقطع رأسه ونابه السام قبل استفحاله وشيوع ضرره...

وأصبحت الأمة مهما ظهرت عليها علامات الضعف فيما يظهر للناس، لكنها تنتقل من مرحلة إلى مرحلة أعلى وأرفع وأقوى من سابقتها، فأين شواطئ تركيا ومصر اليوم من شواطئها قبل 60 عاماً؟!!

وما طرح هذه القضية الهامة إلا دليل على أمور عدة:

1- أن العدو وصل إلى آخر محاولاته اليائسة في محاولة زعزعة يقين الناس وإيمانهم.

2- هذه المحاولات دفعت طلبة العلم للاعتراف بواجباتهم وتقصيرهم في هذا المجال.

3- ولدت هذا التوجهات والحركات جيوشاً شعبية جرارة من الشباب تتصدى لها، ولم تعد قاصرة على المشايخ أو طلبة العلم.

وهذا كله يدل على أن الشعوب المسلمة فهمت وأدركت وظيفتها الإسلامية الدعوية المفروضة على كل مسلم، وسيكون غزو الشباب في دينهم وإيمانهم بالله شرارةً لانطلاق الشباب نحو هدف بناء الأمة المتعلمة العالمة المعلمة بإذنه تعالى.

وهيهات أن يقف في وجه هؤلاء أحد بعد ذلك بإذنه تعالى إن تجاوزوا هذه الهجمة بنجاح.

والله أعلم.

الحلقة 11 هنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين