الجواب على منكر علامات الساعة (2)

 

أسس في الجواب:

لمع من بصائر في السمعيات:

- الخطوة الأولى في طريق الوصول إلى الحقيقة تتمثل في بيان الرواسي من المنهج الذي ينطلق به للتعامل مع المضمون، ومن لا منهج له، لا بصيرة له، ومن لا بصيرة له، يتخبط في بيداء مترامية الأطراف، وتضيع عليه الجهات، ويغيب عن فكره ما يسعى إلى الوصول إليه!

- هذه مجموعة من الحقائق المتصلة بموضوع " علامات الساعة " لو دراها الرجل لأمسك عن التفكير في موضوعه، بلْهَ طرحه عبر الكتابة.

هي همسة في أذن الخادع المخادع والمخدوع على سواء لعل إليهما الرشد يعود

- ما أجهل من يتكلم عن الغيب دون دليل من كتاب، أو سنة !

- علوم الآخرة من السمعيات التي هي المجال الثالث من علم التوحيد : الإلهيات، والنبويات، وقد أراد العلماء الأثبات " بالسمعيات " كل عقيدة مرجع للنص من الكتاب، أو السنة الثابتة!

- هياج من أناس يتطاولون على علوم الآخرة دون تمكن من قواعد الدخول إلى تلك العلوم، وأهم مرتكز لتلك العلوم: الكتاب، والسنة، والعلم بأن " السمعيات " لا مجال للعقل فيها إلا أن يفهم النص، وأما من ينشىء فكرة بعيدا عن النص، أو تحريفا له ، فهو " رد " وحكم عليه " بالضلال " !

- لو تضمن الخبر إذا ثبت أمرًا لا يجري على ما تعوَّد عليه الناس، فليس خروجه عن المألوف ذريعة إلى رده ، فكم من عجائب كان من ميدان الخيال صارت واقعا، بل نسي أنها كانت مجرد " حلم " من الأحلام.

- من لا يؤمن بالآخرة ليس له أن يدخل فيها، يرتب فيها، ويصنف ، وينزل ما يراه أهلا، ويسقط من لا يراه!

- ليس للعقل أن يرتئي على الله، ويلغي نصا نزل من الله، أو يخترع مصيرا قد رآه مناسبا لثقافته العجرة!

- الآخرة في ميزان العقل من الجائز العقلي، وهو ما يتساوى وجوده وعدمه عقلا، إذ هي عبارة عن وجود كما نحن عليه من الوجود، فنسبة الآخرة إلى الاستحالة ضلال عقلي، وهذا الجائز العقلي ينقلب " بالنص " إلى واجب عرضي، على ما هو معلوم من أقسام الحكم العقلي!

- وجود الآخرة يختلف عن وجودنا بكونه أبدي، كامل في متعه، فالإنسان هناك يكون على أتم كيان، وأكمل وجود!

- في الآخرة كما في الوحي جنة بمواصفات، ونار بدركات، فالأولى أُعدِّت ثوابا لمن اتصف بصفات، أهمها الإيمان بالله واليوم الآخر، فإن من لا إيمان له، لا جنة يفضي إليها. " والنار " أعدت للكافر بأيِّ سبب كان كفره، ككفر الاستكبار، أو الجحود، أو إنكار ما علم من الدين بالضرورة!

- بالبداهة لو أن أهل الأرض قالوا: إن فلانا من أهل الجنة مع كفره الفاضح، أو قالوا: إن فلانا من أهل النار مع إيمانه بالله واليوم الآخر، فلا قيمة لهؤلاء، ولا لهؤلاء ، لأن الأمر يرجع إلى صفات ورد بها النص نتبيَّن منها أن من اتصف بها فهو من أهل الجنة، وصفات بيّن النص أن من اتصف بها فهو من أهل النار!

- قمة المسألة أن الإيمان بالله واليوم الآخر، والعمل الصالح كما فصلت فيه النصوص من كتاب وسنة ثابته يدخل الله به تفضلا الجنة، وأن الكفر بجميع دركاته من مات عليه يدخل النار!

أعود إلى القول : هي همسة في أذن الخادع المخادع والمخدوع لعل إليه الرشد يعود.

- لا يعتبر العمل صالحا إلا إذا كان من منطلق الإيمان، وإن لم يكن العامل مؤمنا فهو من حركة الإنسان في دار التكليف وثمرته: شهرة ، أو مال ، أو تسلط ، أو: لأي دافع من دوفع الملاحدة الذين لا يؤمنون بالله ، ولا باليوم الآخرة !

إلى التطبيق الواقعي:

علامات الساعة ثابتة بالنصوص الكثيرة الصحيحة، والتي بلغ منها مبلغ التواتر.

من علامات الساعة " الصغرى " ما تحقق الكثير منه، علما أن الخبر لما أطلق لم يكن هناك من الواقع ذرة تدل عليه، أو تشير مجرد إشارة ، كخبر" الفتوح، وظهور رجال بأيديهم سياط " فلا يكون من باب الواقع يرشح لمثل هذه النتيجة!

- المنهج العلمي في تناول الحديث قبولا، ورفضا ، يرجع إلى " البحث " في السند بحثا مجردا، وإلى " البحث " في المتن، فإذا كان الرجل قمة في الجهل بهذا المنهج، فأنى له أن يستبدَّ بالنفي الصامت ؟!

نصوص كاشفة لمسألة علامات الساعة ، وأنها حق، وأنها من ضمن " السمعيات ":

- ورد الكثير من الإخبار عن الغيب قبل وقوعه، وهذا يبصر بأن قضية المهدي، والسيد المسيح عيسى ابن مريم، وخبر الدجال، كلها من هذا المعين، والإيمان بها لون إيمان بالغيب، ولا يصح عقلا وشرعا لمن آمن بالغيب على سبيل الإجمال، أو على سبيل التفصيل، أن ينكر ما جاءت به النصوص، إلا بالطعن بالنص نفسه ، ودون ذلك خرط القتاد، وهيهات لهذا الرجل أن يطعن لبضاعته المزجاة بهذا العلم، وهذه مجموعة من الأخبار التي كانت غيبا حين قررها من لا ينطق عن الهوى، بل، لم يكن هناك ذرة من الواقع ترشح للوقوع، ثم وقعت، وبوقوعها تأكيد لصدق المخبر بها:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا بَعْدُ: نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلَاتٌ " - قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَالَ كَلِمَةً أُخْرَى خَفِيَتْ عَلَيَّ - عَلَى رُؤوسِهِنَّ كَأَمْثَالِ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ ، وَرِجَالٌ مَعَهُمْ سْيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ النَّاسَ بِهَا ".

- أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ ، مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، وَقَالَ:" مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ "

- حدث عَبْدُ اللهِ بْنُ رَافِعٍ ، مَوْلَى ابْنِ سَلَمَةَ ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُوشِكُ إِنْ طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ أَنْ تَرَى قَوْمًا فِي أَيْدِيهِمْ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ يَغْدُونَ فِي غَضِبِ اللهِ ، وَيَرُوحُونَ فِي سَخَطِهِ ".

- رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ،

- وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ، عَنْ أَفْلَحَ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " يَغْدُونَ فِي سَخَطِ اللهِ وَيَرُوحُونَ فِي لَعَنْتِهِ "

- كذلك لمّا واجهت الصحابة صخرة عجزوا عن كسرها أثناء الحفر ضربها الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث ضربات ففتتها، وقال إثر الضربة الأولى: الله أكبر! أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة.

ثم ضربها الثانية ، فقال: الله أكبر! أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض.

ثم ضرب الثالثة، وقال: الله أكبر! أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة .

- من رواية أحمد والنسائي ، وقال الحافظ ابن حجر أن إسنادها حسن إلى البراء بن عازب - أحد شهود العيان - (فتح الباري 7/ 397) وأورده الطبراني (المعجم الكبير 11/ 376) وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد ونعيم العنبري (مجمع الزوائد 6/ 131)

- في الحديث بشرهم الرسول - عليه الصلاة والسلام - بما سيكون من فتوح لهذه البلدان، وهم محصورون في خندق يقرصهم البرد والجوع ! فقال المؤمنون: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} وأما المنافقون فقد سخروا من هذه البشارة وقالوا: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} وموقف المنافقين بعامة كان يتَّسم بالجبن والإرجاف وتخذيل المؤمنين.

- وروى الإمام أحمد والشيخان وغيرهم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، والإمام أحمد بسند جيد عن البراء بن عازب، وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمرو بن عوف ، وأبو نعيم عن أنس ، والحارث والطبراني عن ابن عمر، والطبراني بسند جيد ، عن ابن عباس ، والبيهقي وأبو نعيم من طريقين عن ابن شهاب ، ومحمد بن عمر عن شيوخه ، وابن إسحاق عن شيوخه:

" أنّ المسلمين عرض لهم في بعض الخندق صخرة ، وفي لفظ كدية عظيمة شديدة بيضاء مدوّرة، لا تأخذ فيها المعاول ، فكسرت حديدهم ، وشقّت عليهم ، وفي حديث عمرو بن عوف: أنّها عرضت لسلمان.

- وذكر محمد بن عمر أنّها تعرّضت لعمر بن الخطاب ، فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبة تركية فقال: أنا نازل ، ثم قام ، وبطنه معصوب بحجر من الجوع، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا ، فدعا بإناء من ماء فتفل فيه، ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به، ثم نضح من ذلك الماء عليها، فيقول من حضرها: والذي بعثه بالحق إنها عادت كالكثيب المهيل ما تردّ فأسا ولا مسحاة، فأخذ المعول من سلمان، وقال: " بسم الله " ، وضرب ضربة فكسر ثلثها، وبرقت برقة، فخرج نور من قبل اليمن، فأضاء ما بين لابتي المدينة حتى كأنّ مصباحا في جوف ليل مظلم، فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " أعطيت مفاتيح اليمن، إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني السّاعة، كأنّها أنياب الكلاب ".

ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر، وبرق منها برقة فخرج نور من قبل الرّوم فأضاء ما بين لابتي المدينة فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني الساعة" .

ثم ضرب الثالثة فقطع بقية الحجر، وبرق برقة من جهة فارس أضاءت ما بين لابتي المدينة، فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " أعطيت مفاتيح فارس ، والله إني لأبصر قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنّها أنياب الكلاب من مكاني هذا، وأخبرني جبريل أنّ أمّتي ظاهرة عليها، فأبشروا بالنّصر" . فاستسرّ المسلمون ، وقالوا: الحمد لله موعد صادق ، بأن وعدنا النصر بعد الحصر، وجعل يصف لسلمان ، فقال سلمان: صدقت يا رسول الله ، هذه صفته ، أشهد أنك رسول الله.

- ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذه فتوح يفتحها الله تعالى بعدي يا سلمان، لتفتحنّ الشّام ، ويهرب هرقل إلى أقصى مملكته ، وتظهرون على الشام فلا ينازعكم أحد ، وليفتحنّ هذا المشرق ، ويقتل كسرى فلا يكون كسرى بعده "

- قال سلمان: فكلّ هذا قد رأيت.

- أخرجه أحمد في المسند 4/ 303.

الحلقة الأولى هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين