نواقض الإيمان في ميزان الكتاب والسنة (28)

حوارات حول الكتاب

ـ قال المعلق الثاني عني: 

[لا يجوز الإنكار على من جعل تلك الأفعال من الشرك أو أن مرتكبها مشرك، وقد قال ابن قيم الجوزية في تقرير ذلك: "إن الرجل إذا نسب المسلم إلى النفاق والكفر متأوّلاً وغضباً لله ورسوله ودينه لا لهواه وحظه فإنه لا يكفرُ بذلك، بل لا يأثم به، بل يُثاب على نيته وقصده"]. 

أقول: 

ـ الذي يجعل بعض الأقوال أو الأفعال من الشرك أو النفاق وهي ليست كذلك ويصف مرتكبها بأنه مشرك أو منافق فيه تفصيل: فقد يفعل الرجل ذلك متأوِّلا وغضبًا لله ورسوله ودينه لا لهواه وحظ نفسه ولا يصر بعد البيان على ما صدر منه ـ كما فعل ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ـ فهذا لا يكفرُ بذلك ولا يأثم به بل يُثاب على نيته وقصده، وهذا هو الذي لا يجوز الإنكار عليه، وقد يفعل الرجل نحو ذلك ويصرُّ بعد الشرح والإيضاح والبيان على اتباع الهوى والإعراضِ عن الدليل الشرعي ـ كما فعل الخوارج الذين خرجوا على سيدنا علي رضي الله عنه ـ فهذا آثم ضال مبتدع، يجب على سامعه الإنكار عليه، وعليه ـ إذا لم يكن من أهل الأهواء ـ الاستجابةُ لنصيحة الناصحين. 

ـ إطلاق القول بما قاله ابن القيم رحمه الله وغفر له يذهب بعيدا عن الأحاديث النبوية الثابتة التي تحذر المسلم من أن يرمي أخاه بالكفر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه"، والمسلم الذي يقول لأخيه المسلم يا كافر هو على خطر الوقوع في الكفر. 

وقول النبي صلوات الله وسلامه عليه هو الحجة والميزان، وليس قول ابن القيم. 

ـ الخوارج الذين كفـَّروا أفضل الصحابة في وقته عليا رضي الله عنه وكلَّ من استمروا في الوقوف إلى جانبه كانوا ـ في اعتقادهم ـ يكفرونهم غضبًا لله ورسوله ودينه لا للهوى وحظ النفس، ولكنهم كانوا بذلك شرار الخلق. فالحذرَ الحذرَ. 

ـ ثم قال المعلق عني: 

[وأمَّا إيراده لمسألة الحلف بغير الله عز وجل فلا يستقيم ولا مبرر له، لأنَّ القول في هذه المسألة من الشرك الأصغر وليس من باب الشرك الأكبر المخرج من الملة، ولم يقل بذلك أحد، وأمَّا الحلف بغير الله فمنطوق الحديث أن من فعل ذلك فقد أشرك، قال صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"، قال الترمذي في بيان ذلك: "هذا حديث حسن، وفُسر هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن قوله "فقد كفر أو أشرك" على التغليظ. سنن الترمذي 4/ 110]. 

أقول: 

ـ إيرادي لمسألة الحَلِف بغير الله عز وجل هنا هو أمر مهم جدا ومفيد جدا في هذا البحث في موضوع نواقض الإيمان، لأنه قد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من حلف بغير الله فقد أشرك"، ومن يقول بوجوب الأخذ بظواهر النصوص الشرعية مع عدم جواز التأويل ولو لقرينة فإنه يلزَمه الأخذُ بظاهر الحديث وتكفيرُ من يجيز الحَلِف بغير الله تعالى!، وممن أجاز بعض صوره ابن حنبل والحنابلة!، أو إنه سيقول بجواز التأويل إذا كان لقرينة دلت على صحته. 

ـ إذا أصر المتسرعون في التكفير على القول بالاحتمال الأول فسيكفِّرون الإمام أحمد وفقهاء المذهب الحنبلي، وربما يكفرونهم ويكفرون من لا يكفرهم، وهم لا يقولون بذلك، وإذا قالوا بالاحتمال الثاني فسيلزِمهم المخالفون لهم بتأويل ظواهر عدد من النصوص التي يستشهدون بها في مسائل التكفير إذا دلت القرائن على صحة تأويلها. 

ـ إذا وجدنا أن الإمام أحمد رحمه الله وهو إمام كبير من أئمة أهل السنة قد روَى في مسنده الحديثَ الذي يدل ظاهره على تكفير الحالف بغير الله وهو يقول بجواز الحَلِف بالنبي صلى الله عليه وسلم فينبغي محاولة التعرف على منهجه في الجواب عنه، وهذا للاستفادة منه والاستئناس به، مع علمنا بأنه ليس معصوما عن الخطأ، وأن الحجة هي في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما تفرع عنهما. 

ومما يسوِّغ إيراد مسألة الحَلِف بالنبي صلى الله عليه وسلم ـ وهي من الحلف بغير الله عز وجل ـ أن كثيرا من الذين يتسرعون في التكفير يتمسكون بظواهر نصوص يريدون الاحتجاج بها على التكفير لأن فيها لفظة الكفر أو الشرك، ولا يقبلون فيها تأويلا مهما كان عند الطرف الآخر من قرائن دالة على تأويلها بغير الكفر المخرج من الملة، بينما قد يتوقفون في الاحتجاج بظاهر حديث "من حلف بغير الله فقد أشرك" على التكفير ويؤولونه بما يخرجه عن أن يكون المراد منه الشرك الأكبر لئلا يكفروا الإمام أحمد رحمه الله!. 

فإيراد هذه المسألة هنا أمر مهم وله ما يسوغه، بخلاف قول من لا يرى ذلك. 

ـ نقلَ المعلق أن الإمام الترمذي رحمه الله علق على حديث "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" بقوله: [هذا حديث حسن، وفُسر هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن قوله "فقد كفر أو أشرك" على التغليظ]. 

قول الترمذي بأن بعض أهل العلم فسروه على التغليظ يعني أنهم لم يحملوه على حقيقة الكفر والشرك، وليت الأخ المعلق وكل المتسرعين في التكفير يقرون بأن بعض النصوص التي ورد فيها لفظ الكفر أو الشرك ينبغي فهمها بمعنى أنها محمولة على التغليظ، لا بحملها دائما على معنى الخروج من الملة.

الحلقة السابقة هنا 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين