أربع رسائل من غصن الزيتون وإليها

مع غرة رجب المعظم ، استطاعت قوات التحرير المتحالفة تحت عنوان غصن الزيتون من دخول مدينة عفرين ، وتحريرها من الإرهابيين المعتدين الغلاة والبغاة .

ولقد سبق أن تم التأكيد على أن معركة ( غصن الزيتون ) ليست معركة قومية ، لا في منطلقاتها وبواعثها ولا في إطارها وأهدافها . وإنما هي معركة مع مجموعة محدودة نمت على هامش الثورة السورية ، مستغلة حالة من فراغ القوة ، متحالفة مع أعداء الأمة على المستوى الدولي ، ومع عدو الثورة على المستوى الوطني الداخلي .

مجموعة تبنت عقيدة ثقافية وسياسية وقتالية عدوانية دفعتها إلى الاحتراب حتى مع المكون المجتمعي الذي تزعم أنها تمثله وتحميه . فكم عانى إخواننا الكرد في بلداتهم وقراهم من عدوان هذه المجموعة على الأنفس والأعراض والأموال ؟! وكم من موقف انكشفت فيه عمالة هذه المجموعة لبشار الأسد الذي سام هو وأبوه الأخوة الكرد على مدى نصف قرن سوء العذاب ؟!

إن يوم الأول من رجب من سنة 1439 الموافق 18 / 3 / 2018 هو يوم نصر حقيقي لعفرين وأهلها ، ولسورية ولشعبها ، ولمشروعها الوطني الثوري ، الذي تقوده القوى السورية الواعية من كل أبناء هذا الشعب النبيل بكل مكوناته من عرب وكرد وتركمان . يجب أن لا نمل من التأكيد على هذه الحقيقة وتعميمها ؛ حتى تتكرس حقيقة واقعة في كل القلوب والعقول ، فتقطع الطريق على كل المرجفين من عنصريين وطائفيين .

إن الرسالة الأولى التي ترسلها عملية (غصن الزيتون) إلينا نحن (الترك والكرد والعرب ) أن الإرادة الصادقة عندما ترتبط بالعزم المكين لا بد أن تبلغ مداها ، وتحقق وأهدافها . وأن النصر مع الصبر ، وأنه لا بد من التضحيات لتحقيق هذا النصر . والأهم من كل ذلك في هذا السياق أن يدرك من تأخر في الإدراك ، أن إطفاء الحريق في دار الجيران ليس منّة على الجار ، ولا هو إحسان إليه فقط ؛ كما تصوره البعض بل هو في حقيقته نوع من الدفاع الاستباقي عن النفس وعن الأهل وعن الحياض !! 

أما الرسالة الثانية فترسلها عملية (غصن الزيتون) إلى أدعياء الحضارة من المتجلببين بالجلابيب المزيفة لحقوق الإنسان ، من الذين يزعمون أنهم جاؤوا إلى سورية لمحاربة الإرهاب ؛ فقتلوا الإنسان ودمروا العمران ، وأبادوا الخضراء !!

وحين ننظر إلى ما وقع في حمص أو في حلب أو مايقع اليوم في الغوطة الشرقية ، وكذا ما وقع في الرقة ودير الزور من قتل وتدمير وتخريب ، ندرك الفرق بين القلوب والعقول التي حاربت بمبضع الجراح في غصن الزيتون وبين الأقدام الهمجية التي جعلت من قتال الإرهابيين ذريعة لتقتل في سورية كل شيء . ولتطمس في سورية كل معالم الخير والحق والجمال ، فصادرت البسمة على فم الوليد ، ولطخت القداسة في دم الشهيد !!

لم يلق على عفرين برميل غبي واحد . ومضت عملية غصن الزيتون إلى غايتها بكل نبل وشرف . ومع أن الحرب هي الحرب . والحرب هي الموت ؛ فقد مضت المعركة بأقل ما يمكن من خسائر بين المدنيين ، الذي كان حفظهم وحمايتهم أول قيد على أدوات وأساليب الصراع .

واليوم وإذ نغرس غصن الزيتون في تراب عفرين الزكي ؛ يجب أن يدرك كل المخلصين أن ( عفرين ) أو ( غصن الزيتون ) مجرد محطة على الطريق . وهي الرسالة الأولى التي نرسلها إلى كل القائمين على غصن الزيتون . وأن هذه الخطوة لن تكتمل ، ولن تؤتي أكلها إلا أن تتبعها خطوات وخطوات على كل المحاور وفي كل الاتجاهات . وإذا كانت (غصن الزيتون ) قد مضت على قاعدة ( التعاون بين أحرار سورية وبين جيرانها من الأخوة الأتراك ؛ فإن الثمرة الأولى لغصن الزيتون تؤكد أن قاعدة هذا التعاون يجب أن تتسع ، وتمتد ، وتعدد مناهجها وأساليبها وأدواتها .

لقد حرمت الثورة السورية على قوتها وبهائها وتضحيات أبطالها منذ سبع سنوات ، من دور الصديق الصدوق الناصح . وكما يساق الناس في بعض الأحيان إلى الجنة رغم أنوفهم ، فإنهم يساقون أيضا إلى مواقع القيادة والريادة والعزيمة رغم أنوفهم . إن نصرة الشعب السوري الذي أجمعت كل قوى الشر في العالم عليه هي قدر بعض الناس . فيا يحيى خذ الكتاب بقوة .

والرسالة الثانية إلى القائمين على عملية غصن الزيتون هي أن مدينة عفرين الحرة قد أصبحت أمانة في عنق محرريها . إن الصوت الذي يجب أن نظل نصدع به هو أن عفرين وكل مدينة سورية تحرر من أيدي كل العصابات هي مدينة حرام إنسانها وأعراضها وأموالها . دماء الناس في عفرين حرام ، أعراض الناس في عفرين حرام ، أموال الناس في عفرين حرام . ( ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة ) .

أخلاق أعدائنا ، وسلوكيات أعدائنا ، وجرائم أعدائنا ليست مصدر تشريع لنا ، وكم حذرنا قرآننا أن نكون مثلهم ( إنكم إذن مثلهم ) . 

عفرين اليوم امتحان المصداقية الحقيقية لأخلاقية الثائر الحر الأبي ، امتحان مصداقية يميز بين الخبيث والطيب ، وبين الحر الأبي وبين الكذاب الدعيّ ..

فأروا الله من أنفسكم خيرا ، وأروا العالم من أنفسكم خيرا ، وأروا شعبكم في كل سورية من أنفسكم خيرا ، وأروا أهل عفرين الطيبين من أنفسكم خيرا . 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين