وأهلها مصلحون

 

قوله سبحانه:

{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى? بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}

حقيقة قرآنية وسنة من السنن الحاكمة في الحياة والإنسان والمجتمع.

لكن من هم أهلها هؤلاء؟؟

في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ}.

تفسير شهير أن أولي الأمر هم العلماء والأمراء وإذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس.

وهذا صحيح، لكن ها هنا إشكال قد يحدث في الفهم وهو: صحيح أن العلماء والأمراء هما الأعظم أثرا في الإصلاح لكنه ((لأجل نوع التخصص وليس لأجل الاختصاص))

فالإصلاح هو من اختصاص أهل القرى أجمعين من علماء وساسة ومربين وصناعيين وزراعيين واداريين وقانونيين وإعلاميين وتجار وطلبة ورجال ونساء وصغار وشيوخ .

مع أن العلماء والساسة قد يكون لهما أثر أكبر من غيرهما لطبيعة التخصص والصلاحية والقرار.

مع الانتباه إلى أن السياسي لم يعد مطلق الصلاحيات في السلطة كما كان- عدا الدكتاتوريات - وكذلك العالم لم يعد متعدد الأدوار في الحياة كما كان.

فالمصلحون المقصودون هم ثلة من مختلف الاختصاصات لا يقوم صلاح الحياة إلا بهم.

(وأهلها مصلحون) لم يخص الله بها أحدا دون أحد.

ويدخل في ذلك الأم التي تهدهد طفلها في مهده وتربيه، وعامل النظافة الذي يقمّ الشوارع، ومعلم محو الأمية في قرية نائية ، وتاجر صغير يخاف الله في سلعته، وشيخ هرم كبير يرفع يديه ليدعو للمصلحين بالحفظ والتوفيق.

و(أهلها مصلحون) لا تعمُّ المجتمع فقط بل تعم المؤسسات والدول فلا صلاح لها بدون أن يتضافر الجميع وإن كان القائد لها أكبر مسؤولية من غيره.

لقد نتج عن سوء الفهم هذا :

اولا: التنصل من مهمة الإصلاح من عموم الناس والمجتمع بحجة أنه مرهون بالعالم أو السياسي وأنه مختص بهما.

ثانيا: محاسبة العالم والسياسي على الفساد الحاصل وتحميلهما المسؤولية وحدههما دون غيرهما.

ثالثا: التهاون في المحاولات الإصلاحية وأنها لن تجدي نفعا إلا أن تكون في مجال الحكم والسلطة أو الفكر والفتوى.

رابعا: الغفلة عن أن العالم السيء والسياسي السيء والقائد السيء هو نتاج المجتمع السيء والواقع السيء الذي يتحمل الجميع السوء فيه.

خامسا: الغفلة عن أن أيَّ سياسي مصلح أو عالم مصلح أو قائد متفان قد لا ينجح في مهمته إذا لم يشكل المجتمع برمته رافعة له ويتكامل معه في التعاون وتبني الإصلاح. 

وهذا سيدنا موسى مع بني إسرائيل نموذج لما نقول.

فهو مصلح ديني وسياسي وقائد من أولي العزم لم يشكل مجتمعه رافعة لمشروعه 

ولهذا أمر الله بطاعة أولي الأمر المصلحين لأنه بدون هذه الطاعة لا إصلاح ولا تغيير

الخلاصة:

حتى يقي الله تعالى الناس من الهلاك عند استفحال الظلم عليهم القيام بأمرين:

الأول: القيام بمهمة الإصلاح حسب التخصص والقدرة ولو صغر وقلَّ حجم هذا الإصلاح أو حتى انعدم أثره ((فوجود الأثر والتمكين للإصلاح ليس من شرط وجوب القيام به)).

فكم من نبيّ ومصلح لم يتبعه أحد ويأتي النبي يوم القيامة ليس معه أحد كما في الحديث

الثاني: التعاون بين أهل الاصلاح والتغيير في المشاريع الإصلاحية كي تضاعف الأثر وتعجل بزوال الظلم المفضي للهلاك

والله تعالى أعلم وأحكم

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين