الاحتواء في العلاقات الزوجية

 

كنت أقوم بمصالحة بين زوجين شابين، وقع بينهما نزاع نتج عنه مغادرة الزوجة بيتها إلى بيت أهلها.

جلس الزوجان أمامي يستمعان إلى توجيهي ونصحي، وكان مما أوصيتُ به الزوج : (احتوِ زوجتك)، ومددتُ يدي إلى تُحفتين كانتا أمامي على الطاولة الصغيرة، إحداهما أصغر من الأخرى، فوضعتُ الصغيرة داخل الكبيرة وقلتُ: هكذا.

ابتسم الزوج في وجهي، ثم التفت إلى زوجته ومازالت الابتسامة على وجهه، فخشيت أن نصيحتي لم تعجبه فتوقفتُ عن الكلام؛ فقال الزوج: هي دائماً تقول لي: (احتويني).

أجل.. هذا ماتحتاجه المرأة من زوجها؛ أن يحتويها، فماذا يعني الاحتواء؟

الاحتواء هو الإحاطة بمن احتويناه إحاطة حب وعطف واهتمام وحماية، فيشعر معنا بالأمان، ونملأ قلبه بالاطمئنان، حتى يتبدد ما كان يُحس به من خوف، أو قلق، أو همّ، أو ضعف.

فحين تثور المخاوف في نفس زوجتك؛ احرص على أن تُشيع فيها مشاعر الأمان، وأحاسيس الاطمئنان، وهل يكون ذلك بغير الابتسام والاحتضان؟!

وحين تغضب زوجتك فلا تقابل غضبها بغضبك، بل احتوِ غضبها بتهدئتها، وإطفاء فورته بما تُسمعه إياها من كلمات المواساة، والعطف، والحب.

وحين يمس الحزن قلبها اقترب منها، وذكِّرها بأن الدنيا مازالت بخير، وأن الله سبحانه قريب منها، قادر على إزالة حزنها، وإذهاب همّها.

وعندما تجد زوجتك يائسة؛ اتلُ عليها قوله تعالى: { فإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً * إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً }، وأخبرها أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (لن يغلب عسرٌ يسرين).

وإذا مااشتكت مرضها وأوجاعها منه فذكِّرها بأن مرضها هذا يكفِّر الله به خطاياها، ويرفع به درجاتها.

هذا هو الاحتواء؛ أن تجد فيك زوجتك شاطىء أمان، وواحة اطمئنان، وفيض حنان .

وتجد منك الحب والعطف والفهم بمايغنيها عن كل إنسان.

هذا ولا ينجح في الاحتواء كل أحد؛ إذ لا بد لمن يريد القيام به من أخلاق وطباع، لعل أولها وأهمها: الصبر، فمن لايتحلى بالصبر لن ينجح في احتواء الآخرين، فالصبر يُكسِب صاحبه حِلْماً يُعين على اتساع صدره لغضب الآخرين وحزنهم وضعفهم وضيقهم وسخطهم.

والحِلم، كما علّمنا النبي (صلى الله عليه وسلم) بالتحلّم، أي لابد من بذل الجهد في اكتسابه والتخلق به، وخاصة لمن لايتحلى بأي قدر منه، قال (صلى الله عليه وسلم): (إنما العِلم بالتعلُّم، وإنما الحِلم بالتحَلُّم، ومن يتحرّ الخير يُعطَه، ومن يتقِّ الشر يوقَه) حديث حسن (صحيح الجامع).

والحِلم خُلُق يحبه الله سبحانه كما قال (صلى الله عليه وسلم) لأشجّ عبد القيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة) صحيح مسلم.

وليس لأحد أن يُبرّر عدم حِلمه بأن طبعه هكذا فلن يستطيع أن يحلِم على الآخرين، إذن لما كانت الوصية بتحسين الأخلاق، قال أبوحامد الغزالي في إحياء علوم الدين: لو كانت الأخلاق لاتقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولَمَا قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم): (حسِّنوا أخلاقكم). وكيف يُنكر هذا في حق الآدمي وتغيير خُلُق البهيمة ممكن؛ إذ يُنقل البازي من الاستيحاش إلى الأُنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدّب والإمساك والتخلية، والفَرَس من الجِماح إلى السلاسة والانقياد، وكل ذلك تغيير للأخلاق.

والخلق الثاني الذي يحتاجه الاحتواء هو الأناة، ويحبه الله أيضاً كما وَرَد في حديثه (صلى الله عليه وسلم) لأشجّ عبد القيس، فالتأني يمنع التهور والتعجّل والاندفاع، ويعين على احتواء الآخرين.

هكذا ينجح الزوجان، بتوفيق الله، في احتواء كل منهما صاحبه، فيصبر عليه، ويتسع صدره له، ويتجاوز عنه، ويُحسن إليه، وخاصة الرجل لأنه القوَّام على المرأة، الموصَى بها خيراً: (استوصوا بالنساء خيراً) كما قال (صلى الله عليه وسلم).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين