كلمة لأهل الغوطة

 

اتصل بي أخ كريم من داخل الغوطة، قال: اكتب لنا كلمة، ولتكن كلمة قصيرة تصلح للتداول بين الناس، فإن النفوس عازفة عن قراءة المطولات والاستماع إلى المحاضرات، ولا تجعَلْها تعزية فإنّا لم نفتح مجلس عزاء، إنما نريد أن نسمع ما يعيننا على الصمود. قلت: طلبك مجاب إن شاء الله، وهذا هو الجواب.

* * *

يا أهلنا الكرام في الغوطة المباركة:

لن أخبركم بما تجهلون، بل أذكّركم بما تعلمون. أنتم تعلمون أن الهزيمة محرَّمة في معركتكم المصيرية مع النظام، لأن الاستسلام لهذا العدو الفاجر الغادر انتحار، وإنكم منتصرون -بإذن الله- ما صبرتم وثبتّم في أرضكم وتراحمتم وتعاونتم وحاربتم عدوكم بسلاح الصبر والعزيمة والإيمان.

لئن تفوّق العدو عليكم بالطيارات والدبابات فإنه لن يتفوق عليكم بهذا السلاح إن شاء الله، فهو في يدكم أمضى من كل ما في يده من سلاح. ولا تقولوا إني أبيعكم أوهاماً وخيالات، بل هي حقيقة يؤكدها أعظم قادة الحرب في التاريخ الحديث. يقول نابليون: "في العالم قوتان، السيف والروح، والروح أبداً غالبة". ويقول الجنرال مونتغمري، وهو من أشهر القادة العسكريين في التاريخ: "إن المعارك تُحسَم في القلوب قبل أن تُحسَم على الأرض".

أما أنتم يا أيها المجاهدون الأبطال في جبهات الغوطة فلا أجد لكم خيراً من كلمة طارق يوم الأندلس، حين خطب جُنده فقال: "البحر من ورائكم والعدوّ من أمامكم، فليس لكم والله إلا الصدق والصبر، ولا نجاة لكم إلا في السيوف". واسمعوا أيضاً هذه القصة: خلال الحرب الكورية حوصر الفوج الأول من مشاة الأسطول الأمريكي الذي يقوده الجنرال بوللر بعدّة فرق صينية، فألقى في جنوده خطبة من سطر واحد صارت من "كلاسيكيّات الحرب" كما يقول المؤرخون، قال: "إن العدو يحيط بنا من كل جانب، وإذن فلن يفلت منا هذه المرة"! لقد أشعلت هذه الكلمةُ الحماسةَ في قلوب رجاله، والعجيب أنهم كسروا الحصار وخرجوا منه منتصرين.

يا أبطال الغوطة الكرام العظام: هؤلاء ليسوا سوى تلاميذ في مدرستكم، فإن نخبة جيوش الأرض تتعلم منكم الرجولة والشجاعة والثبات. ولو أن أحداً استحقّ أن يسجَّل صمودُه في صحائف التاريخ فهو أنتم قبل غيركم، فلم يحصل في أي وقت من الأوقات أنْ صمد مثلُ هذا العدد القليل بمثل هذه الأسلحة القليلة أمام مثل هذه الآلة العسكرية الجبارة التي تقودها بعض أعظم القوى العسكرية في التاريخ.

* * *

يا أبطال الغوطة: لقد قطعتم شوطاً طويلاً، فما عليكم أن تكملوا الطريق مستصحبين معيّة الله ووعد الله؟ {ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً} و{كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين}.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين