واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا

 

إن وحدة الأمة الإسلامية واجتماع كلمتها تعتبر من أهم الموضوعات وأخطرها على الإطلاق.

ونعني بوحدة المسلمين اجتماع المنتسبين إلى الإسلام على أصول الدين وقواعده الكليَّة، ومن ثَمَّ العمل معاً لإعلاء كلمة الله تعالى ونشر دينه.

يقول الله تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] {آل عمران:102}.

[إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ] {الأنبياء:92}.

[إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ] {الحجرات:10}.

ماذا يعني مفهوم الوحدة الإسلامية؟

معناها التسامي فوق العنصريات والقوميات والألوان،والفروق الطبقية ، والمناطقية والإقليمية.

والقاعدة الشرعية أنه لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.

فقادة الفتوحات الإسلامية وعظماؤها من قوميات مختلفة، ومن أنحاء شتى من العالم.

- فخالد بن الوليد سيف الله المسلول (عربي).

- وقظز هازم المغول في عين جالوت (قرغيزي).

- والظاهر بيبرس قاهر التتار (تركي).

- وصلاح الدين الأيوبي قاهر الصليبيين في حطين (كردي).

- وطارق بن زياد فاتح الأندلس (أمازيغي). وهكذا...

أهمية وحدة الأمة وترابطها:

إن وحدة كلمة الأمة تعتبر من أخطر التحديات التي تقف في طريق مسيرة الأمة الإسلامية قديماً وحديثاً، وذلك للأسباب التالية:

1 – إن الوحدة بين المسلمين تجعل الشعوب الإسلامية كالجسد الواحد، والبنيان المرصوص يكمل بعضه بعضاً، ويشد بعضه أزر بعض.

2 – الوحدة الإسلامية هي طريق نهوض الأمة وسر قوتها علمياً واجتماعياً واقتصادياً و عسكرياً...الخ.

لذلك كان إحساس المسلم بالحاجة إلى وحدة كلمة الأمة المسلمة إحساس منطقي وواقعي،وذلك لأن الفرقة قد أضرت بالأمَّة وسببت ضعفها، وأضاعت حقوقها في عصر لم يعد يسمع لصوت الضعفاء والمشردين وأنين الجرحى والمظلومين.

وإن هذا الشأن المهم قد شغل ضمير العلماء والمفكرين والغيورين وهم يرون أمتهم في آخر الصفوف وأضعفها فاعليَّة على مسرح الحياة الدولية.

وقد تعددت المحاولات عبر التاريخ الإسلامي لتحقيق هذا الهدف السامي، وقد كتب لبعض هذه المحاولات أن تستمر لقرون (الدولة العثمانية مثلاً)، رغم محاولات أعداء الأمة إجهاض أي تجربة تسعى لتجميع الأمة تحت سلطان واحد، وتوحيد كلمتها، لتجعل منها قوة مهابة الجانب قوية التأثير أمام القوى العالمية الأخرى.

عوامل وحدة الأمَّة واجتماعيها:

هناك عوامل كثيرة تجعل من أمَّة الإسلام أمة واحدة مترابطة قوية ومن ذلك:

1 – عقيدتها واحدة : (الإيمان بالله تعالى وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر).

2 – رسولها واحد: محمد صلى الله عليه وسلم.

3 – قبلتها واحدة: الكعبة المشرفة.

4 – عباداتها واحدة: (الصلاة والصوم، والحج....الخ).

5 – أعيادها واحدة: عيد الفطر وعيد الأضحى.

6 – تاريخها واحد، يبدأ بعصر النبوة، والخلافة الراشدة، وما بعدها.

التحذير من التنازع والتفرق:

جاء التحذير صريحاً في القرآن الكريم والسنة المطهرة من التنازع والتفرق وعواقبه.

قال الله تعالى:[ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ] {الأنفال:46}.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على وحدة كلمة أصحابه رضي الله عنهم واجتناب أسباب الفرقة والتنازع:

فقد روى ابن ماجه في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه مرة وهم يختصمون في القدر، فكأنما يفقأ في وجه حب الرمان من الغضب فقال: بهذا أمرتم، أو لهذا خلقتم؟، تضربون القرآن بعضه ببعض، بهذا هلكت الأمم قبلكم) إسناده صحيح ورجاله ثقات.

وفي رواية في مسند الإمام أحمد رحمه الله: (فما علمتم منه فقولوا به، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه) 2/185 صحيح الإسناد.

وقد نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً وأبا موسى الأشعري رضي الله عنهما حينما بعثهما إلى اليمن فقال: (... تطاوعا ولا تختلفا) متفق عليه.

قال الإمام النووي في شرح مسلم: (غالب المصالح لا يتم إلا بالاتفاق، ومتى حصل الاختلاف فات).

حقوق الأخوة الإسلامية:

للمسلم على المسلم حقوق كثيرة وكما ورد في السنة ست: 

- يشمته إذا عطس.

- ويعوده إذا مرض.

- ويسلم عليه إذا لقيه.

- وينصحه إذا استنصحه.

- ويجيبه إذا دعاه.

- ويتبعه إذا مات.

والمسلم أخو المسلم:لا يظلمه ولا يسلمه) رواه الشيخان.

ولا يحق له هجره فوق ثلاث...وينصره ظالماً أو مظلوماً، ويكون نصره ظالماً بمنعه من الظلم.

فوائد الاجتماع المسلمين:

لاجتماع المسلمين فوائد كثيرة منها:

1 – إظهار عظمة الإسلام.

2 – تحقيق الألفة والمحبة والتعاون (تعارف ، وتآلف ، وتعاون).

3 – القضاء على العصبية والإقليمية.

4 – علاج كثير من الأمراض النفسية التي تنشأ عن الانعزال والانطواء كالقلق، والاكتئاب وغيره. 

طبيعة الخلاف بين المسلمين:

إن الخلاف بين العلماء والدعاة أمر واقع لا يمكن إنكاره أو تجاوزه، وإن هذه الخلافات لا تنتهي حتى قيام الساعة.

أما اختلاف الفقهاء والعلماء في المسائل الشرعية فسببه:

1 – أن بعض النصوص القرآنية متشابهة ، وكذلك في السنة ، فهي تحتمل وجوهاً متعددة تكون محل نزاع واختلاف:

قال الله عز وجل:[مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ....] {آل عمران:7}.فالمحكم هوالظاهر، والصريح في ذاته فلا يتوقف فهمه على غيره لوضوحه، والمتشابه هو الذي يتوقف فهمه على غيره، او يفهم من وجه دون وجه، وهذا يكون محلا للاختلاف والتنازع. 

وخلاف الصحابة رضي الله عنهم مشهور في فهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة).

2 – أن دلالات الفاظ العربية على معانيها متعددة مما يفتح الباب واسعاً أمام الاجتهاد والاستنباط ومن ثم اختلاف الآراء.

3 – وهناك أسباب أخرى للخلاف بين العلماء حول بعض أدلة الأحكام:

- كفعل الصحابي، وعمل أهل المدينة، والاستحسان، والمصالح المرسلة...الخ.

وهذا يجعل الخلاف بين الفقهاء والعلماء واقعاً وضرورة لا يمكن تجاوزها، ومن يظن إنه يمكن أن يجمع الناس على قول واحد فهو واهم وبعيد عن واقع العلم وطبائع الاشياء.

وهذا لا يمنع أن يفتح باب الحوار بين المختلفين في المسائل الخلافية ولكن وفق آداب الحوار، وشروطه ، بعيداً عن سوء الظن والتشكيك والتجريح وادعاء ملكية الحق المطلق في المسائل الاجتهادية الكثيرة.

أما الخلاف بين الدعاة فالأصل انه اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، فكل يرى أنه يخدم الاسلام بطريقته واجتهاده، فهذا يرى ان افضل سبيل لخدمة المسلمين يكون باطعام الجياع منهم ، واخر يرى خدمة المسلمين برعاية ايتامهم ، واخر يرى بتعليمهم وتوعيتهم...الخ ،وفي الحقيقة أن المسلمين يحتاجون ذلك كله، على أن لا يصل الخلاف إلى التناحر وسوء الظن، والافتراق، والتخوين ، اوالتهوين. 

تأملات في القاعدة الذهبية في التعامل مع الخلافيات:

أطلق الشيخ المصلح رشيد رضا صاحب تفسيرالمنار رحمه الله تعالى (1865-1935م) قاعدته المشهورة ب "القاعدة الذهبية " والتي تنص على: أن نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه) وقد تبنى هذه القاعدة من بعده الامام حسن البنا رحمه الله تعالى (1906-1949م) وأصبحت قاعدة مشهورة يتداولها طلاب العلم والمثقفون، ومن خلال نظرة تأملية في هذه القاعدة يمكن القول:

1 – إن الشق الأول من القاعدة صحيح وهو التعاون فيما اتفق عليه المسلمون وهو بفضل الله كثير يشمل أصول العقيدة وأصول التشريع. والعبادات .

2 – أما الشق الثاني وهو الإعذار في مسائل الاختلاف، فليس كل خلاف يعذر فيه.

فالقضايا الخلافية يمكن أن تقسم إلى نوعين:

الأول: خلاف مقبول يعذر فيه وهو الخلاف الاجتهادي في الفروع العقدية أو التشريعية طالما ان له وجه في اللغة أو الشرع كما قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى|، وهذا الخلاف يمكن أن يعالج من خلال التحاور بين المختلفين بطرق الاستدلال الشرعية وفق آداب وشروط الحوار المعروفة والتي نص عليها العلماء، سواء تحقق اتفاق بين المتحاورين أم لم يتحقق.

الثاني: خلاف مذموم، وهو الخلاف غير السائغ، الصادر عن الهوى، وليس له وجه في الشرع أو اللغة، أو كلام أهل العلم الثقات، كخلاف الشيعة الرافضة أو الباطنية بفروعها المختلفة، في تأويل النصوص الشرعية وتحريف دلالتها بما يحقق ضلالاتهم ويؤيد مذاهبهم الباطلة.

أو ما كان من قبيل خلاف في إنكار نص صريح قطعي الثبوت، وقطعي الدلالة، اوهو معلوم ضرورة من الدين، أو ما أجمع عليه علماء الأمة فمثل هذا لا يعذر بمخالفته، بل يجب الإنكار عليه وبيان باطله وزجره، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين