مما استقر في العقول معرفته، وأيقن من في قلبه ريب أنه حق ، أن المرء يتأثر بمن حوله ويؤثر فيهم ،فالمرء على دين خليله ، والصاحب ساحب .
وللبيئة التي يعيش فيها ومن يعاشرهم حتى من الحيوانات تأثير
(الفخر والخيلاء في أهل الإبل والسكينة والوقار في أهل الغنم ) .
ومن أعظم ما يؤثر في المرء - وربما قلب حاله من الصلاح والرشد إلى الفساد والضلال -
ما قد يحصل عليه من مال ، أو يصل إليه من منصب وجاه ؛
فإن الحرص على تحصيل المال والشرف كيفما اتفق لا يكون قط إلا بارتكاب المحرمات ،والوقوع في المخالفات .
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعني كما في حديث كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ ". خرجه الترمذي (2376)وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وإذا قلبت صفحات التاريخ .واستقرأت أحوال الناس رأيت في ذلك ما لا ينقضي منه العجب من أناسٍ كانوا آية في الصلاح والزهد؛ فلما ابتلوا بالأموال والمناصب= خرجوا إلى الضلال والفساد .
ومن أمثلة ذلك[ مروان بن الحكم] فإن حاله قبل الولاية لا يقارن بحاله بعدها
ذكر الحافظ ابن كثير عن ابن وهب قال
: سمعت مالكا يقول: وذكر مروان يوما فقال: قال مروان: قرأت كتاب الله منذ أربعين سنة ثم أصبحت فيما أنا فيه، من إهراق الدماء وهذا الشأن.
دع ذا وول وجهك شطر كلمات [ابن عاشور رحمه الله] فإنه أزبد عنده ذلك المخض وأفصح عن الخالص المحض
فقال:
" إن الولاية ربما خيبت أماني ، وبدلت أخلاقا قد تغر بوارقُ المرءِ فيظن سحابه ماطرًا وما هو إلا جهام لا ينشئ إلا غمًا للكون وساكنيه ، وحرارة يوقدها برقه الخلّب فيه .
خلق أفادته الولاية إنها
خلق يغير أهلَه ويبدلُ " [جمهرة المقالات( ???/?)] .
إذا تبين ذلك فلا تعجب من فلان الذي كان يحفظ القرآن ، ويحافظ على الصلوات فلما تقلد منصبا وأقبلت عليه الدنيا ترك ما هنالك إلى سفك الدماء ،وهتك الأعراض واستباحة ، المحرمات .
نعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى ، والحور بعد الكور .
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي .
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول