انصروا الغوطةَ بتحريك الجبهات


ينادي أهلُ الغوطة أصحابَ الجبهات أن افتحوا جبهاتكم وشاغلوا عنا العدو بعض المشاغلة، فيستخفّ البعض بهذا الطلب ويرون أن فتح جبهات متعددة لن يؤثر في قدرة العدو ولن يخفف الضغط عن الغوطة! وهذا خطأ سببُه الوهمُ ونقص المعلومات، فإنهم يظنون أن النظام وحلفاءه يملكون قوة جبارة وأعداداً هائلة من المقاتلين يستطيعون توزيعها على الجبهات كلها، وليس الأمر كذلك، فإن العدو مُنهَك ضعيف ولا يستطيع فتح عدة جبهات في وقت واحد، فإذا فُتحت جبهة جديدة انشغل بها عن غيرها واضطر إلى تشتيت قواته بين الجبهات.
ألا تذكرون أيام معركة الزبداني (في آب 2015) كيف اضطر النظام إلى سحب جزء كبير من قواته من داريا لأنه لم يستطع تغطية الجبهتين معاً؟ وعندما استعَرَ "لهيبُ داريا" وسيطر ثوارها على منطقة الجمعيات واقتربوا من مطار المزة العسكري سحب بعض قواته من الغوطة إليها، ثم فتح أبطال الغوطة معركة في حرستا وحرروا حي العجمي فسحب العدو نصف القوة التي يهاجم بها الزبداني وأرسلها إلى الغوطة... وهكذا رأينا النظام يسحب قواته من جبهة إلى أخرى على إيقاع المعارك التي فجّرها الثوار في المناطق المختلفة، لأنه كان أعجَزَ من أن يغطي الجبهات كلها في وقت واحد.

* * *

نُشِرَت خلال السنوات الماضية دراسات عسكرية كثيرة صدرت عن مراكز بحثية رصينة وأكدت كلها حقيقة واحدة: لقد فقد النظام الجزء الأكبر من قوته الضاربة ولم يعد قادراً على تغطية كل الجبهات. وقد قدّرَ "المعهد الدولي للدارسات الإستراتيجية" أن النظام لم يعد قادراً على تحريك أكثر من خمسين ألف عنصر في جميع أنحاء سوريا، ويرى "معهد دراسات الحرب" أن العدد أقل من ذلك ولا يتجاوز ثمانية وثلاثين ألف مقاتل (من أصل ثلث مليون مقاتل كانوا يشكّلون قوته العسكرية قبل الثورة).

لذلك عمد النظام إلى أخبث حيلة وأكثرها فتكاً بالثورة: عَزْلِ المناطق بعضها عن بعض، وتهدئة بعض الجبهات والهجوم على بعضها الآخر، فإذا فرغ من منطقة انتقل إلى غيرها، كما صنع من أيام حمص ويبرود والزبداني وما بعدها، فما زال ينتقل من منطقة إلى منطقة لأنه كان عاجزاً عن الهجوم عليها كلها في وقت واحد، ولو وحّدت قرارَها العسكري وفتحت الجبهات كلها معاً لتغير مسار التاريخ.

فإن يكن لا سبيلَ إلى تغيير ما مضى لأن الماضي لا يعود، فما لنا لا نتدارك ما هو بين أيدينا اليوم؟ ما لفصائل سوريا كلها تتهاون في نصرة الغوطة وتَخْذلها في هذا الوقت العصيب؟ إنْ لم يكن فتحُ الجبهات من أجل الغوطة فليكن من أجلكم يا أيها الفصائل في المناطق كلها، فإنّ ما يصيب الغوطة اليوم سيصيب الجميعَ في الآتي من الأيام.

* * *

يا فصائل سوريا جميعاً: انصروا الغوطة وحركوا الجبهات، فإنه والله يوم من الأيام المصيرية الفاصلة في تاريخ سوريا والثورة. الغوطة أمانة في أعناقكم، فلا تضيِّعوها فتلوموا أنفسكم العمرَ كله ويحاسبكم على تضييعها الأولاد والأحفاد. إن هذا يومٌ من أيام المجد والفَخار ستحفظه صحائف التاريخ، فمن انتصر للغوطة الجريحة فقد حاز شرف الدنيا والآخرة، وسوف يسجَّل اسمه بمداد من ذهب في صحائف المجد وفي سجلات الخلود.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين