لا صلاح مع الفوضى .. ولا سَراة مع الجهل

قال الشاعر:

لا يَصلح الناسُ فَوضَى ، لا سَراةَ لهمْ ولا سَراةَ إذا جهّالهمْ سادوا

هذا البيت مِن أحكم ما قالت العرب ، في سياسة الأمم ، وقيادة الدول والشعوب والقبائل ، والتجمعّات البشرية عامّة!

فإذا كان قد ورد في الحديث الشريف : (إذا كنتم ثلاثة فأمّروا أحدَكم) فكيف يكون الحال ، إزاء آلاف البشر، بل مئات الآلاف، بل ملايين الناس.. إذا كانوا بلا قائد ولا أمير!؟ ومعلوم أن السَراة ، في بيت الشعر،الوارد أعلاه ، هم رؤوس الناس وسادتهم ، الذين يقودونهم ويوجّهونهم.

كيف يكون حال الناس ، إذا عمل كل منهم على هواه ، وبما يراه مناسباً لمصلحته ، دون الاكتراث بحقوق الآخرين وحرّياتهم ومصالحهم.. وتباينت الأهواء ، وتصاربت المصالح ، وتضادّت الآراء والأفكار!؟ لاشكّ أن الحياة تنقلب إلى غابة بشرية ، يستحيل العيش فيها ، كما تعيش مخلوقات الغابة ، المحكومة بقوانين وسنن ، وضعها الله لها ، ووجّه كلاً منها بما يلائم طبيعته !

وإذا كانت الفوضى مدمّرة للمجتمعات البشرية ، فإن ثمّة نظاماً لا يقلّ عنها تدميراً ، هو حُكم الجَهلة !

ففي الشطر الثاني من البيت ،بيان رائع لحقيقتين :

الأولى : هي أن الجهلة لا يَصلحون رؤوساً للناس ، سادةً ، أوقادةً ، أو زعماء ، أو موجّهين لحركة المجتمع ، وضابطين لسلوك الناس ؛ بسبب جهلهم ! وبسبب جهلهم ، أيضاً ، يعجزون عن معرفة الخير والشرّ، والخطأ والصواب .. كما يعجزون عن التمييز، بين معالي الأمور وسفاسفها ، وبين ما هو هيّن ، وما هو خطير! وبالجملة ، فإن الجهلة يعجزون ، عن إدارة حياة الناس ، في حربهم وسلمهم ، وفي حلّهم وترحالهم..!

الثانية : هي أن وجود الجهلة على رؤوس الناس ، يمنع من أن يأخذ القادة الحقيقيون المؤهّلون ، أماكنهم في قيادة الناس ، فيهتمّ كل من هؤلاء المؤهّلين الأكفياء ، بشؤون نفسه وأسرته ، أو يغادر المجتمع الذي يقوده الجهلة ، إلى مكان آخر يحسّ فيه بالأمان ، بعيداً عن تسلّط الجهلة ! وفي كل الاحوال ، تخلو ساحة القيادة من السَراة ؛ لأن الجهلة ليسوا سَراة ، ولا يمكن أن يكونوا كذلك ، من ناحية ، ولأنهم ، من ناحية ثانية، يعيقون السَراة الحقيقيين ، عن الوصول إلى مواقع القيادة والتوجيه، فتضيع الجماعة التي يقودونها ، سواء أكانت قبيلة ، أم حزباً ، أم دولة !

صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القائل : "إذا وسِّد الأمر إلى غيرِ أهله ، فانتظر الساعة" .

ولا يَسع المرءَ ، إزاء بيت الشاعر أعلاه ، إلاّ أن يتمثّل بقوله صلى الله عليه وسلم : " إنّ من البيان لسحراً، وإنّ من الشعر لحكمة "!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين