تصحيح تصورات خاطئة في القدر والدعاء (4)

 

- شهود القلب الحي لمعنى "أن الله هو القائم بذاته ، المقيم لمخلوقاته "

- مما قاله الشيخ الشعراوي ، وهو يبين آثار البسملة :

- قبل أن تأكل قل: باسم الله؛ لأنه هو الذي خلق لك هذا الطعام ، ورزقك به. .

- عندما تدخل الامتحان قل: بسم الله، فيعينك على النجاح. .

- عندما تدخل إلى بيتك قل: باسم الله؛ لأنه هو الذي يسر لك هذا البيت. .

- عندما تتزوج قل: باسم الله؛ لأنه هو الذي خلق هذه الزوجة ، وأباحها لك. .

- في كل عمل تفعله ابدأه باسم الله. . لأنها تمنعك من أي عمل يغضب الله - سبحانه - . . فأنت لا تستطيع أن تبدأ عملا يغضب الله باسم الله. . إذا أردت أن تعصي أي معصية ، أو أن تفعل عملا يغضب الله. . وتذكرت بسم الله. . فإنك ستمتنع عنه. .

- ستستحي أن تبدأ عملا باسم الله، يغضب الله. . وهكذا ستكون أعمالك كلها فيما أمر الله به ، أو: أباحه 

- أليس هذا مما يؤكد صلة المسلم بهداية أنوار الأسماء التي تدل عليها الآثار، على ما ذكر :

- قال الحكيم العارف : "دل بوجود آثاره على وجود أسمائه، وبوجود أسمائه على ثبوت أوصافه، وبوجود أوصافه على وجود ذاته، إذ محال أن يقوم الوصف بنفسه ".

- هذه - على ما قال أرباب السلوك - طريقة الترقي فوجود الأثر يدل على وجود القادر والمريد والعليم والحق، مثلاً : فالقادر يدل على قيام القدرة به، بحيث لا تفارقه، إذ محال أن يقوم الوصف بنفسه، فلزم من وجود الأثر وجود المؤث، وهنا افتراق أهل الظاهر من أهل الباطن، فأهل الظاهر أثبتوا من وجود الأثر وجود الأسماء والصفات، ولم يقدروا على شهود الذات، غلبهم الحس عن شهود المعنى، والوهم عن ثبوت العلم، وشهود الحكمة عن شهود القدرة، وأهل الباطن لما فرغوا قلوبهم من الأغيا، وباعوا نفوسهم للواحد القهار فتح الله عين بصيرتهم، وأطلعهم على مكنون سره، فأفردوا الحق بالوجود، وانتفى عن بصيرتهم نظرهم كل موجود، إذ محال أن يفارق الصفة موصوفها، أو تقوم بنفسها، فلزم من وجود الصفات وجود الذات، وهذا هو سر الخصوصية كل موجود، إذ محال أن يفارق الصفة موصوفها، أو تقوم بنفسها ، فلزم من وجود الصفات وجود الذات، وهذا هو سر الخصوصية الذي خص الله بها أولياءه، ولم يشاركهم فيه غيرهم، ثم بين أهل الجذب، وأهل السلوك، وأهل التدلي، من أهل الترقي، فقال: فأهل الجذب ، يكشف لهم عن كمال ذاته ، ثم يردهم إلى شهود صفاته ، ثم يردهم إلى التعلق بأسمائه ، ثم يردهم إلى شهود آثاره ، فقد دل بوجود آثاره على وجود أسمائه، وبوجود أسمائه على ثبوت أوصافه، وبثبوت أوصافه على وجود ذاته، إذا محال أن يقوم الوصف بنفسه.

- من الإخلال الفكري أن يتخذ إنسانٌ البحث عن الحقائق الشرعية، والكونية، منهج حياته ، فإذا به يسارع إلى إطلاق الأحكام على قضية ما من قضايا الشرع ثابتة تصورا، ووقوعا ، دون تقصٍّ تام لها في الواقع، ومن خلال النصوص، ومن يستعرض مسألة الدعاء والإجابة، وعلاقة ذلك بحقيقة " القدر " تضيء لفكره النتيجة أشدّ مما يفعل شروق الشمس على وجه الأرض الذي ظل مدة غارقا في ظلام الليل.

- هذا من النصوص الكثيرة الثابتة أذكره لنتبين منه مجموعة من الحقائق التي تغيب عن باحث يدخل في زوايا نفسه، ثم يطرح تصوره دون تطلع من نوافذها إلى ما يبصّره بالصواب، ويسدد تصوره:

- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَيْنَا النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلَكَ المَالُ وَجَاعَ العِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ المَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِنَ الغَدِ وَبَعْدَ الغَدِ، وَالَّذِي يَلِيهِ، حَتَّى الجُمُعَةِ الأُخْرَى، وَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ - أَوْ قَالَ: غَيْرُهُ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! تَهَدَّمَ البِنَاءُ، وَغَرِقَ المَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ:" اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلاَ عَلَيْنَا " فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ، وَصَارَتِ المَدِينَةُ مِثْلَ الجَوْبَةِ، وَسَالَ الوَادِي قَنَاةُ شَهْرًا، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ " 

- صحيح البخاري باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة

- أقول بعد التثبت من النص، إذ هو في أصح كتاب للسنة عبر القرون :

- استجيب دعاء الاستسقاء مع الجأر به، فقد جاء في الحديث، أنه - عليه الصلاة والسلام - " لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ المَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ ".

- إضافة إلى أنه دعا مرة ثانية، فاستجيب الدعاء، وقد شهد كل الصحابة المشهدين !

- وتجلى معنى التسخير الذي جاءت به النصوص، حين رفع الحبيب - عليه الصلاة والسلام - يديه في المرة الثانية، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلاَ عَلَيْنَا " فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ، وَصَارَتِ المَدِينَةُ مِثْلَ الجَوْبَةِ

- فمن أين فلسف الباحث كون إجابة الدعاء عبارة عما يتفتح في الرأس من حلول !!! لكن الباحث - والحق يقال - لم يحدد رأسا معينا، بل أطلق، ولعل الباحث أراد أن يحدث اكتشافا في العالم ينال به شهرة يحلم بها!

- هنا نقول: إن إنزال المطر بسبب الدعاء كشف عن علاقة بين ما قضى الله أزلا بإنزاله، ودعاء الرسول - عليه الصلاة والسلام - وهذا المعنى هو عام في كل دعاء يستجاب، فيلتقي ما قدر أزلا، وما دعي به فيما لا يزال، وسأبين هذا لاحقا!

- قد يقول قائل : يفهم من هذا أن خلو ساعة الجمعة من هذا الاستسقاء لا يمنع نزول " الغيث " لأنه مقدر؟ 

والبيان : أنه قد قدر من الأزل أن يكون الدعاء والإجابة، وإذا فصلت بعدت عن هذه الحقيقة، بل محوت قدر الدعاء بافتراضك، وأبقيت قدر " الغيث ".

- وعليه قد يدعو الإنسان، و لا يجاب، ولهذا تعليل وبيان :

- إن لم يجب الدعاء، فمعناه أن الإجابة لم تقدر، فيبقى الدعاء بلا ثمرة على ما يبدو للداعي!

- هنا يذكر أن الدعاء في ذاته عبادة، وإعلان من الداعي أنه مؤمن بالله، وبصفاته، وأنه يسمع دعاءه، ويرى تضرعه، وأن الداعي فقير إلى الله، وأن الله قادر على أن يلبيه، وفي أثناء الدعاء يذوق الداعي طعم حضور القلب مع الله ، ولذة التضرع إليه!

حقائق عن الدعاء من بحار أعلم الناس بشأن الربوبية.

- من المسلَّم به - ومن الباحث - أن النبوة أعلم من سائر الناس بشأن الربوبية، ومن مشكاتها نتعرف إلى " شؤون " الله تعالى ، قال جل جلاله : {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}

- على أن كل دعاء لم يستجب، ولم تكن هناك موانع، له ثمرته يقطفها الداعي على ما ثبت بالنص!

- هناك موانع تناولها الشرع تمنع الإجابة، من أهمها " اللقمة الحرام ".

- بينت النصوص أَنَّ الدَّاعِيَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ مَا طَلَبَ، وَإِمَّا أَنْ يُدَّخَرَ لَهُ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ يُدْفَعَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلُهُ.

- قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو، لَيْسَ بِإِثْمٍ وَلَا بِقَطِيعَةِ رَحِمٍ ، إِلَّا أَعْطَاهُ إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا "، قَالَ: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ:" اللَّهُ أَكْثَرُ" الحديث صحيح.

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أَوْ يَسْتَعْجِلْ " قَالُوا: وَمَا الِاسْتِعْجَالُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:" يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُكَ فَلَا أَرَاكَ تَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ فَيَدَعُ الدُّعَاءَ "

- حسر واستحسر : إذا أعيا ، وانقطع عن الشيء ، والمراد هنا أنه ينقطع عن الدعاء.

- عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِدَعْوَةٍ إِلَّا أَتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهَا أَوْ كَفَّ عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَعْجَلْ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا اسْتِعْجَالُهُ ؟ قَالَ: " يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَدَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي " فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَكْثَرُ "

- عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الْعَبْدَ لِيَدْعُوَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ يُحِبُّهُ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ اقْضِ لِعَبْدِي هَذَا حَاجَتَهُ وَأَخِّرْهَا؛ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ لَا أَزَالَ أَسْمَعُ صَوْتَهُ، قَالَ: وَإِنَّ الْعَبْدَ لِيَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ يُبْغِضُهُ فَيَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ -: يَا جِبْرِيلُ اقْضِ لِعَبْدِي هَذَا حَاجَتَهُ وَعَجِّلْهَا؛ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنِ أَسْمَعَ صَوْتَهُ "

- عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو:" يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ".

- عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ فِي اللَّيْلِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ "

- كم كان الباحث مصيبا، ووقى نفسه من أن تكون على الحقائق مصيبة، لو تأنّى قليلا ، وتناول موضوع بموضوعية أشمل ، ولم يفتئت على مسألة الدعاء، وعلاقته بالقدر هذا الافتئات!

يتبع

الحلقة الثالثة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين