دور ومسئوليات المرأة المسلمة في العالم (2)

 

العلاقة مع العالم الخارجي:

أما موضوعنا الثاني فيتعلق بعلاقة الإنسان بالعالم الخارجي. وبصفة عامة، يظهر التاريخ أنه كان للإنسان موقفان تجاه العالم الخارجي، فكان إما أنه يخشى قدرته التدميرية وأصبح ينظر إليه كإله، أو أنه كان يعتبرها كشيء يجب استغلاله أو الانتفاع به. وفي وقت ما لجأ الإنسان إلى السحر لاستغلال قوى الطبيعة لخدمة غاياته، أما الآن فهو يستخدم العلم لنفس الغرض، ونادراً ما كان يتذكر الإنسان أن العالم الخارجي يُعد نظيراً له في علاقة العهد الثلاثية، ونادراً ما كان يتذكر أنه نظراً لمنحه هبة العقل التي تُمكِّنه من تنظيم وتصنيف الفوضى المحيطة به، فإنه تقع على عاتقه مسئولية خاصة لحماية العالم الخارجي. 

ولقد أخبرنا القرآن مراراً كيف نحافظ على الطبيعة التي وصفها بأسلوب جميل كآية من آيات الله تعالى . وعند النظر إلى الطبيعة وفهمها بطريقة صحيحة فإنها تصبح صديقاً للإنسان ومعلماً له، ومصدراً للراحة والرخاء. ولكن الإنسان لسوء الحظ يتعامل بطريقة عادلة مع الطبيعة أو مع الله تعالى ، وهذا هو السبب الذي جعله يواجه الآن تلك المشاكل الهائلة المتعلقة للبيئة. ويبدو لي أن معظم المسلمين – رجالاً أم نساءً - ليسوا فقط لا يقومون بواجباتهم تجاه الطبيعة ولكنهم لا يدركون حتى وجود مثل ذلك الواجب. ومن ثَمَّ، فإنهم تركوا الطغاة ذوي المصالح الذاتية يقومون بإزالة الأحراش، وتغيير مجرى الأنهار، وإقامة المستوطنات والصناعة بدون اعتبار لتلوث الهواء والماء، ويقومون بتبديد الموارد الطبيعية الثمينة لإرضاء عقولهم التافهة في حين يموت الملايين جوعاً.

مأساة المرأة:

وموضوعنا الأخير هو: ما هو دور ومسئوليات المرأة المسلمة تجاه نفسها وتجاه غيرها من الناس؟ عند تحليلنا لمفهوم (الظلم) قمنا بالفعل بإجابة جزء من هذا السؤال: وهو التزام المرأة المسلمة تجاه نفسها. فهي لا يجب أن تكون ظالمة لنفسها أو أن تترك روحها في الضلال. ونستطيع أن نقتبس كلمات شكسبير:

(كن صادقاً مع نفسك بصورة متواصلة مثل الليل والنهار حينئذ لن تكون مخادعاً مع أي إنسان).

ولكن ماذا نعني بالقول أن تكون صادقة مع نفسها؟ إننا لا نستطيع الإجابة على هذا السؤال بدون الإشارة إلى الحالة الواقعية للنساء المسلمات في جميع أنحاء العالم. 

كم امرأة مسلمة في العالم تدرك حتى أنها مسئولة عن خلاصها، وأن عليها واجباً تجاه الله تعالى يفوق مسئولياتها المنزلية؟ كم امرأة مسلمة في العالم أعطيت الفرصة لتصبح إنساناً كاملاً يستطيع أن يستغل أعظم هبتين منحهما الله تعالى للإنسان – أي هبة العقل وهبة الإرادة الحرة؟ إن الإجابة على تلك الأسئلة تمثل نوعاً من المأساة. ولكنه يوجد نوع آخر من المآسي أكثر خطورة – وهو مأساة هؤلاء النساء اللاتي خرجن بمعجزة ما من المقابر ومن الأبراج ومن الصوامع وأدركن أنهن أيضاً لديهم الإدراك بالله تعالى في داخلهم. 

هل فكرتم أبداً ماذا يحدث لهؤلاء النساء؟ وما هي العقوبات التي تنزل بهن؟ إذا كان من الصعب الإجابة على تلك الأسئلة، سوف أقص عليكم بعض القصص. دعني أخبرك عن المرأة المسلمة التي كانت تعمل كطبيبة وكانت لديها موهبة خاصة بالشفاء وكانت ممتلئة بالشفقة على العاجزين والمرضى، ولم تستطع أن تجد زوجاً لأنه يبدو أنه لم يكن هناك أي رجل مسلم على استعداد لقبول إخلاصها لمهنتها. دعني أخبرك عن المرأة المسلمة التي كانت راغبة بإخلاص أن تعيش طبقاً للأسلوب الإسلامي والتي لم يكن زوجها سكيراً فحسب ولكنه كان أيضاً غير مدرك على الإطلاق لواجباته الإسلامية تجاه أسرته. ماذا كان عليها أن تفعل؟ أن تظل مع رجل يدمر جسدها وروحها أو أن تجلب على نفسها سخط ما يدعى بالمجتمع الإسلامي برفضها التضحية بوعيها الذاتي الأخلاقي على مذبح المبادئ الأخلاقية للتقاليد الزائفة؟ دعني أخبرك عن المرأة المسلمة الكاتبة التي اعتقد زوجها أنه يجب إشعال النار في كتبها ومقالاتها لأنها كانت تصرف انتباهها عنه وتجعلها تعتقد أن كتابة بعض الكلمات الجيدة على قطعة من الورق أكثر أهمية من طهي ثلاثة وجبات جيدة كل يوم له. هل من الضروري أن أعدد الأمثلة؟ إن القائمة لا تنتهي، ولكن الأمثلة القليلة التي قدمتها يجب أن تكون كافية لأن تقيم الدليل على ما أعتقد أنه حقيقة محزنة ومريرة للغاية – وهي أنه يقع ظلم عظيم على معظم النساء المسلمات ذوات الإدراك في يومنا هذا. 

ولقد حدث في أحد المؤتمرات التي حضرتها أنه كان هناك رجل مسلم يبدو عليه الضيق عند ذكر حقوق المرأة، ثم قال بصبر نافذ (ولكن نساءنا في الحقيقة ليست لديهن أي مشاكل). إنَّ ذلك العمى، ذلك الرفض الصارم القاسي حتى بالاعتراف بوجود مشكلة تؤدي إلى المعاناة يظهر لنا كيف سيكون من الصعب إيجاد الحل، فكيف يستطيع الإنسان حل أي مشكلة لو لم يعرف أو يم يقر بوجودها؟

المشكلة موجودة مع ذلك، وسوف يؤدي رفض مواجهتها فقط إلى تفاقم الموقف. ولا يمكن أيضاً حل تلك المشكلة بدون إعادة النظر كلية بالنسبة للقيم والاتجاهات الاجتماعية الأساسية. مثلاً، في المجتمع الإسلامي الذي نشأت به، سمعت طوال حياتي أن الزوج يعد (mayazi khuda) أو إلهاً في شكل بشري. لقد كانت تلك العبارة تكرر مرات عديدة كل يوم وكانت تعتبر كشيء بديهي. وإنني أتعجب كيف لم يستوقف ذلك أي شخص في هذا المجتمع القويم. 

إن مثل تلك العبارة من الممكن أن تكون مساوية للشرك. إنني أتعجب كم من الوقت سوف تستمر المجتمعات الإسلامية في التظاهر بأنها لم تتعد حدود الله تعالى بإرغامها المرأة المسلمة –وخاصة المجاهدة- على أن تخضع لأي شيء فيما عدا الله تعالى . 

إنني أتعجب كم من الوقت سوف تستمر المرأة المسلمة في تقديم التنازلات الروحية حتى تستطيع أن توفر الحياة لجسدها، إنني أتعجب إذا ما كان الرجل المسلم سوف يفكر أبداً في معنى الالتزام الذي يفرضه عليه الله تعالى (بالحفاظ على وحماية) المرأة التي يتزوجها وأن يسأل السؤال التالي: ما الذي سوف يحميه ويحافظ عليه؟ مجرد الجسد الذي يكون مآله الفناء أم الروح الخالدة؟ إنني أتعجب إذا ما كان سوف يأتي ذلك اليوم الذي لن تطالب فيه النساء المسلمات اللاتي كرَّسن أرواحهن لله تعالى أن يمتن بأجسادهن، وعندما لن يتم إعطاؤهن الاختيار بين هذا العالم والعالم الآخر.

وكم أود لو كانت لدي بعض الإجابات، لكن جميع ما لدي هي بعض أسئلة متضاربة. وسوف أنهي ذلك بدعوة لله القادر في حكمته اللانهائية ورحمته أن يعاوننا جميعاً على إدراك الحقيقة وأن يمنحنا الشجاعة لأن نؤدي واجبنا تجاه الله سبحانه وتعالى أياً كان الثمن الذي نضطر لدفعه.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

المصدر: مجلة المسلم المعاصر مجله ، رجب - شعبان - رمضان 1399 - العدد 19

الحلقة السابقة هــــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين