تصحيح تصورات خاطئة في القدر والدعاء -1-

 

خطوط رئيسة في بحث الإرادة:

- ما أظن أحدا يسلم بهذه الحقائق ، ثم لا يصل إلى نتائج هي عين الصواب ، وما أذكره - هنا - يلحق به كمٌّ هائل من حقائق جاءت بها النصوص ، وتجلت في الكون !

- التكليف بالإيمان بالله ، وصفاته ، وجب بآيات التنزيل!

- دليل صفات الله يرجع إلى الوحي أولا ، وإلى الكون !

- معرفة الجائز العقلي هي اللبنة الرئيسة في تناول صفات الله !

- لا يضر الإنسان أن يجهل ماهيَّة الصفات ، ولا ماهيَّة الذات !

- الدلائل على ما آمنا به نستقيها من الوحي ، ومن الكون !

- من المزالق أن يغفل الباحث عن أن الله - تعالى - ليس كمثله شيء ، ويترتب على تنزيه الله - تعالى - عن المشابه أن لا يقاس الله بالقياس ، وأنه لا ينظر في مضامين ما ينظر في شأن أفعال الله من خلال سلوك الإنسان ، فتحاسب أفعال من ليس كمثله شيء بحسب ما تقاس به أفعالنا ، وفي هذا إجحاف بحق الحقيقة ، وإضرار بها!

- التناول السطحي للظواهر دون الرجوع إلى حقائق سلَّم بها العقل بداية ، وإلى النصوص المعصوم ، تضل به الحكم ، ويبعد عن الحقيقة ، ويفسرها تفسيرا يتنافى معها ، ويلحق بهذا من تبنى فكرة ثم أقبل على نصّ، أو ظاهرة ما هي موضوع الفكرة، يقسر الظاهرة لفكرته، ويلوي عنقها، لتكون له دليلا، فهذا كذلك يبعد كل البعد عن الحقيقة، كمن يفسر حركة الشمس إذا أطلت من الجانب الشرقي، مع سبات الأرض، فيأتي حكمه مبتورا، حيث لم يربط بين دورة الأرض والشروق، أو من يرى " سحابا " ينسحب في جوّ السماء ، فيفسر ما يرى بالقوة المودعة في السحاب، ويغفل مجموعة من العوامل المصاحبة لحركة السحاب !

- ومن الخطورة المضلة أن يقيس الباحث على نفسه حقيقة ما ، وحيث فقدها في حياته، عمم الفقد ، وتوصل إلى إنكار هذه الحقيقة، ويعمم، أو يضل عن معنى حقيقة ما، فيحملها على غير وجهها، ثم يخلط في الحكم عليها، مثل الدعاء - مثلا - فهو يحمل الدعاء على ما تبنى بداية من معنى له قبل النص، ثم يدلل على فهم سقيم لماهية الدعاء بأن الأمة تدعو من زمان، ولا يستجاب لها، وما درى العلاقة بين إجابة الدعاء، والقدر، بل ينكرها، وأن كل دعاء استكمل شروطه ينفع الداعي ، وقد دلت النصوص على ذلك، مثل قوله - عليه الصلاة والسلام - : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا منه، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ " وقد قال حُذَيْفَة- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في الحديث المذكور عن النبي الذي يكشف سنة من سنن الله الاجتماعية : ... وَاللهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَتَقْتَتُلُنَّ بَيْنَكُمْ، فَلْيَظْهَرَنَّ شِرَارُكُمْ عَلَى خِيَارِكُمْ فَلْيَقْتُلُنَّهُمْ حَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ، ثُمَّ تَدْعُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يُجِيبُكُمْ بِمَقْتِكُمْ ".

- وما درى أن كثيرا من المسلمين استجيب لهم ما سألوا الله إيَّاه، وأن الدعاء لرفع غمة عامة عن الأمة قد جعل الله لإجابته شروطا جاءت بها النصوص، وأثبتتها الوقائع ، فالتغيير منوط بالعمل عليه، وبذل الجهود الدائبة في سبيل الوصول إليه مع الدعاء، مثل قول الصديق- رضي الله عنه- للرسول عليه الصلاة والسلام : "بأبي وأمي يا رسول الله، ليس بي بأس ما نال الفاسق من وجهي، وهذه أمي برة بولدها، وأنت مبارك، فادعها إلى الله، وادع الله لها ، عسى الله أن يستنقذها بك من النار، فدعا لها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ودعاها إلى الله ، فأسلمت".

فقد استحضر في الطلب كلا من الدعوة والدعاء، ورجا الاستجابة، وقد حصلت ، وقد دعا الرسول - عليه الصلاة والسلام - يوم بدر، وهو على أرض بدر، وفي السنَّة أن الأمة إذا لم تقم بما وجب، فهذا يغلق عليها باب الإجابة ، قال - عليه الصلاة والسلام - : "" هذا ، وقد استجيب لنوح- عليه السلام- ما دعا الله به ، قال تعالى : {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} وكم من صلاة استسقاء سقى الله بها الناس مباشرة !

- قد يستر أن الله هو الذي ينزل الغيث، النظر إلى سنة الله الكونية في الغيث، من حرارة، وسطح مائي رحب، وبخار يرتفع جاء العلاقة بين تركيب الماء والحرارة ، وسحب تتساوق في جو السماء للعلاقة بين الرياح الدافعة، وقبول السحب للدفع ، و... وشأن هذا أنه هو من يعتقد حين يفهم آلية جهاز ما يعمل بدقة، أنه لا يحتاج إلى مصمم له، ومكون لأجزائه، ومقادير تقوم عليها تلك الأجزاء، وسنن في المادة التي يصنع منها، ويجهل أن الجهاز كما احتاج للصانع، احتاج لمن يشغله

- قال الله تعالى:{صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا}

- لاحظ إسناد الفعل { صَبَبْنَا } إلى الضمير " نا " ضمير المتكلم الذي يعود على " الله " المتفرد بالخلق.

- وقوله: { صَبَبْنَا } أنزلناه من السماءِ إنزالا عجيبًا كأَنه مُراقٍ من إناءٍ، يقال: صب الماء يصبه ، أي: أراقه. " الصب " من باب قتل ، صبّ يصُب .

-الكتابة ، لنا ، أو علينا ، في مواطن من وجودنا، أجنة، وبعد البلوغ، وقبل وجودنا في " اللوح المحفوظ " ، فعن أيها نحاسب ، ولماذا؟

- كتبنا في اللوح المحفوظ قبل وجودنا على ما في علم الله الأزلي، وفي الحياة الجنينية عند العشرين ومئة يوم من تخليقنا ، وبعد أن نصبح مكلفين، وقد قيض لنا عندها ملائكة كراما كاتبين!

- مثال يقرب معنى تضل به أفهام :

- علمك بما كان منك لم يكن له دور في صياغة سلوكك!

- أرأيت لو قمت بكتابة سيرتك لونا من المذكرات، فهل ترى أن ما كتبت هو الذي أجبرك على ما كان منك ؟ 

- إنَّ تعلق علمك بما كان منك من وراء ما كتبت، وعلم الله - تعالى - قد تعلق أزلا بما سيكون منك !

- إن الإسراع إلى نفي " حقيقة " من حقائق الوجود، أو ضنائن التنزيل، لأن النافي لم يستوعبها، ليس منهجا سليما في التعامل مع الأشياء، فالذي لا يستوعب مسألة إحياء الموتى يوم القيامة، ولا يقدر على فهم كيف يعمل جهاز حاسوب في ترتيب المعلومات، وعرضها بسرعة فائقة، فيندفع إلى النفي ليعطي عقله إجازة من تعب التفكير دون أن يتهمه بالقصر!

- من المزالق التي يقع بها بعضهم أنه جاهل بأقسام الحكم العقلي التي هي من مكونات الفكر السديد، فهو لا يفرق بين الجائز عقلا، والواجب، وربما اختلط عليه أمر المستحيل عقلا، والمستحيل عادة ، فظن أن أحدهما هو عين الآخر، وهو لا يدري حاجة الجائز حيث كان إلى المرجح، ومن هنا يأتي الحكم الذي يطلقه شائها !

- والطامة - هنا - أن يكون الباحث في القضايا الكونية جاهلا بصفات الله التي دل عليها الكون، وتجلت في ظواهره الكبرى، وقررتها النصوص بأوضح بيان !

- ويلحق بهذا أنه لا يدري تعلق الصفات، ككون تعلق صفة العلم تعلق انكشاف، وتعلق صفة الإرادة تعلق تخصيص، ويجهل مجال تعلق كل صفة، مثل إن مجال تعلق " القدرة " هو الجائز الذي يقبل الوجود والعدم، وكذا تعلق" الإرادة " بخلاف تعلق " العلم " فهو الجائز، والواجب، والمستحيل، وكيف من جهل هذا يصل إلى حكم سديد، وفهم رشيد !

- وهنا تبرز قضية لها أهمية قصوى في الموضوع ، حيث يجهل الباحث مسألة الإمداد، فيؤمن " بالإيجاد " ويجعل المخلوق إذا وجد صار مستغنيا عن " الموجد " ويعتبر الباحث !! أن الجائز إذا شمَّ رائحة " الوجود " صار برأيه واجبا ذاتيا، فيبني فكره هذا على " القوة المودعة " ويغفل بهذا عن نصوص كثيرة، وحقائق في التوحيد جهيرة، ويعرض عن حقائق كونية لا تعد تؤكد " الإمداد " مع الإيجاد !

يتبع

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين