دور ومسئوليات المرأة المسلمة في العالم (1)

المستخلص:

[إنَّ علاقة المرأة بالنسبة لله تعالى بصفتها فرداً كثيراً ما يتم إهمالها. لقد تناولت الدكتورة دفت سعود وجهاً هاماً من أوجه تلك العلاقة. ونحن نرحب بالتعليقات والآراء الأخرى- المحرر].

إنَّ موضوع مناقشتي هنا يتعلق بتعريف دور ومسئوليات المرأة المسلمة في العالم. وتتمثل المصطلحات الرئيسية في هذا الشأن فيما يلي: 

الأدوار والمسئوليات، والمرأة المسلمة، والعالم. إنني أود أولاً أن أركز على المصطلح الأخير وهو (العالم). 

ماذا يعني؟ إن مصطلح (العالم) في مجال الدراسات الدينية والفلسفة يشير بصفة عامة إلى ثلاثة مكونات: الله، والعالم الخارجي والإنسان. 

(بالطبع إن ما أعنيه بكلمة man هو الإنسان وليس الرجل)، ومن ثم فإن مصطلح (العالم) في استعمالنا هنا سوف يشير إلى الله تعالى، والعالم الخارجي الإنسان، وأود أن أحلل موضوع دراستنا إلى ثلاثة عناوين منفصلة بالرغم من تداخلها، وهي:

1- دور ومسئوليات المرأة المسلمة تجاه الله تعالى.

2- دور ومسئوليات المرأة المسلمة تجاه العالم الخارجي.

3- دور ومسئوليات المرأة المسلمة تجاه نفسها وتجاه غيرها من بني الإنسان.

إن واحداً من الأسباب التي تجعلني تواقة إلى تأكيد المتضمنات الثلاثية في التعبير (العالم) هو أنني اكتشفت شيئاً أفزعني وأدهشني وهو أن الأغلبية الساحقة من الكُتَّاب والمحدثين –المسلمين وغيرهم- عند تناولهم الموضوع المتعلق بدور ومسئوليات المرأة المسلمة في العالم يقومون بتعريف العالم، أو بصفة أدق يقصرون العالم على المنزل. 

أي في عبارة أخرى، فهم تقريباً يركّزون تماماً على دور ومسئوليات المرأة المسلمة في إطار الزواج، ولكن الزواج والمنزل، أيَّاً كانت أهميتهما لا يكونان العالم، إنهما ليسا إلا جزءاً من حياة المرأة المسلمة ويجب النظر إليهما في ذلك الإطار، فالمرأة المسلمة لديها دور معيَّن تقوم به ومسئوليات معيَّنة تجاه الله تعالى والعالم الخارجي والإنسان؛ منذ مولدها إلى نهاية حياتها سواء كانت متزوجة أم لا، وسواء كان لديها منزل أم لا. 

ويبدو لي أنه قد أسيء فهم دور المرأة المسلمة في العالم على مدى قرون، ولجيل بعد جيل، ويرجع ذلك بصفة كبيرة إلى الاعتقاد الغالب في المجتمعات المسلمة أن عالم المرأة هو المنزل، وأن النساء خارج نطاق الزواج لسن جديرات بأي اهتمام أو قيمة، ويبدو أنه حتى الكُتَّاب أو المتحدثين الذين كان لديهم ما يكفي من السماحة لأن يسلموا بأن للنساء المسلمات بعض المهام، فلنقل تجاه الله تعالى أو المجتمع، فإنهم على الرغم من ذلك يعتقدون أن تلك المهام تُعد ثانوية ويتم أداؤها فقط في حالة إذا ما كان وضعهن الزوجي يسمح بذلك.

إنني أتحدى تلك الافتراضات، وسأوضح هنا أن مسألة المرأة لوقت طويل – طويل طويل للغاية - كان ينظر إليها من الاتجاه الخاطئ من التلسكوب، ويبدو أنه لا سبيل إلى اجتناب إعادة النظر في هذا الموضوع –أي دور ومسئوليات المرأة المسلمة في العالم، والنظر إليه من الوجهة السليمة بدون تحيز أو تحامل عميق الجذور. إنني أشعر أن هنا السؤال المفرد الذي يحوز على أكثر الأهمية والذي يواجه العالم الإسلامي في الوقت الحاضر، ولو لم نجد الإجابة في الوقت المناسب، فإننا قد نواجه بأزمة شديدة من أي أزمة عرفها المسلمون في أي وقت مضى.

[ما هي علاقة المرأة بالله تعالى؟]

ولنبتدئ من حيث كان يجب أن نبدأ –بالسؤال التالي: ما هي علاقة المرأة بالنسبة لله سبحانه؟ بدلاً من السؤال ما هي علاقة المرأة مع الرجل أو وضعها بالنسبة له. 

ولإجابة ذلك السؤال الذي طرحناه في عبارة واحدة نستطيع أن نقول: إنها نفس العلاقة تماماً مثلها مثل الرجل. 

ومن أجل أن أوضح هذه النقطة فإنني أشير إلى فكرة (العهد) التي جاء ذكرها مرات عديدة في القرآن الكريم كما جاء ذكرها في الوصايا القديمة والحديثة، وهكذا فإنه يوجد في أعماق تقاليد الإسلام بأكملها التي ترجع إلى الأنبياء الأولين. 

[ما هو العهد بين الله والإنسان؟]

ما هو العهد؟ إن العهد هو اتفاق أو عقد ولكنه يختلف عن الاتفاقات أو العقود المعتادة في نواحٍ واضحة معينة؛ ومن الممكن تصوير العهد القائم بين الله تعالى، والعالم الخارجي والإنسان في مثلث تتكون قاعدته من العالم الخارجي والإنسان. وطبقاً للعهد القائم بين الله تعالى والعالم الخارجي والإنسان، فإنَّ لله حقوقاً معينة، ويحوز الله تعالى على تلك الحقوق لمجرد كونه الله- الخالق المقيت. 

[وجوب الوفاء بعهد الله تعالى]

إنَّ الإسلام والعالم الخارجي يحصلان على طيبات الحياة وأسبابها، وفي مقابل ذلك يجب الالتزام بإرادة الله تعالى، وفي حين أنَّ الإنسان يستطيع أن يجد مخرجاً من أي تعاقد إنساني، فإنه ليس باستطاعته أو باستطاعة العالم الخارجي أن يختار الخروج من عهد الله تعالى ، ولا يستطيع أي منهما أن يقول لله: (يا إلهي، إنني لا أرغب في تلك الاتفاقية وأريد أن أنسحب منها)، لأن الله تعالى هو الله وأن الإنسان والعالم الخارجي هم خلقه، ولذلك فإنه لا يوجد مخرج من ذلك العهد، وبالنسبة للعالم الخارجي، فإنه لا يوجد أي صراع بينه وبين الله تعالى ، فالعالم الخارجي نظراً لأنه ليس لديه إرادة لا يستطيع انتهاك شروط العهد، وهكذا فإن قوانين العلوم الطبيعية تُعد ثابتة وغير متغيرة، فالنهار يتبع الليل ويتبع الليل النهار، ويتبع الفصل بفصل آخر في نظام رائع. ومع ذلك فإن تلك الحالة لا تنطبق على عالم الإنسان.

اختيار العصيان:

إنَّ الإنسان لديه حرية الاختيار في عصيان الله سبحانه، وفي أن يرفض اتباع الوصايا، متحدياً إرادة الله تعالى، وأن يختار الخطأ بدلاً من الصواب. ويزخر كل من العهد القديم والقرآن بقصص عن العصيان المتعمد من الإنسان، وعن جحوده المتواصل وعدم إيمانه، وانحرافه المستديم عن الصراط المستقيم. ومع ذلك، فإنَّ حقيقة أنَّ الإنسان يميل إلى العصيان لا تعني أنه يستطيع أن يتبرأ من العهد بمقتضى ذلك، إنه يستطيع خرق القانون، ولكنه لو فعل ذلك يجب عليه أن يتحمل العقاب، وهو يستطيع العصيان، ولكنه لو فعل ذلك يجب عليه أيضاً أن يتحمل العقاب. 

[فخر الإنسان هو إرادته الحرَّة]

ومن هذا؛ فإن فخر الإنسان يكمن في حقيقة كونه ذا إرادة حرة –وأنه يستطيع الاختيار بين الصواب والخطأ- وذلك ما يُميِّزه عن المخلوقات الأخرى. ولكن تلك الحقيقة في نفس الوقت تكمن فيها مأساته. إنَّ كلاً من جرأة الإنسان، ورغبته في قبول الأمانة التي رفضتها جميع المخلوقات الأخرى، وفشله الذريع في الالتزام بالمثل الأعلى نتيجة لضعفه الأخلاقي قد صور في أسلوب جميل للغاية في الآية القرآنية: [إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا] {الأحزاب:72} 

[نظرة في معاني الجاهل والظالم]

فلنتوقف لحظة قصيرة لننظر في مفتاحي الرموز هنا، وهما تعبيري: الجاهل والظالم. ويبدو لي أن تحليل هاتين العبارتين يُعطي مفاتيح كثيرة هامة لفهم علاقة المسلم بالعالم، فكلمة (الجاهل) تترجم غالباً (ignorance) ولكننا إذا فحصنا المجال الذي يستعمل فيه ذلك التعبير وأحد مشتقاته سوف نرى أنه لا يشير بصفة رئيسية إلى وضع ثقافي، وهو الجهل، ولكنه يشير إلى وضع أخلاقي يتسم فيه تصرف الإنسان بنفاد الصبر، والغطرسة، والفسوق، والكفر المتواصل. إنَّ الجاهلية لا تُعد مجرد الفترة السابقة للإسلام ولكنها من الممكن أن تتسم أي فترة يصبح فيها الإنسان جاهلاً.

إن التعبير بـ(الظلم) يُعد واحداً من أهم التعبيرات في القرآن. وبمعناه الحرفي، فهو يشير إلى (وضع الشيء في غير مكانه الصحيح) أو (التصرف بأسلوب يتعدى الحدود الملائمة)، وإن الحدود الملائمة هي (حدود الله تعالى) التي لا يمكن تخطيها دون أن يتحمل من تخطاها العقاب. 

ولنعط مثلاً بسيطاً: إن جسم الإنسان مكون بأسلوب يجعله يحتاج إلى قدر معين من الراحة حتى يتمكن من أداء وظائفه بطريقة ملائمة. ولو أن الإنسان أنكر على جسده الحق في الراحة بطريقة متكررة، فإنه يتعدى الحدود الخاصة بالجسد التي حددها الله تعالى ، وهكذا يكون متهماً بارتكاب الظلم، وتوجد حدود لكل ما خلقه الله تعالى ، وإنَّ أي محاولة لتعدي تلك الحدود تُعد ظلماً. 

[الله لا يظلم مثقال ذرة]

إن القرآن يخبرنا ببساطة وبوضوح أن الله تعالى ليس من الممكن أبداً أن يرتكب ظلماً (السورة 50 الآية 19) ولكن الإنسان دائماً ما يظلم نفسه.

إنَّ واحدة من مسئوليات المسلم الرئيسية – سواء كان رجلاً أم امرأة - هي محاولة فهم المتضمنات العميقة كما يعينه أن يكون الإنسان جاهلاً وظالماً وتفادي أن تنطبق عليه أي من الصفتين.

صلة المرأة المسلمة بالله تعالى:

لنعد إلى موضوعنا الأول: ما هو دور ومسئولية المرأة المسلمة تجاه الله تعالى؟ 

إنَّ الإجابة كما قدمناها من قبل تتمثل ببساطة فيما يلي: إن دورها يتماثل تماماً مع دور الرجل المسلم، لقد خلقت المرأة من نفس المادة التي خلق منها الرجل، وهي تقف بمفردها أمام الله تعالى في يوم الحساب طبقاً لأعمالها كما أكّد القرآن مراراً، وهكذا فإن المرأة المسلمة تُعد مسئولة عن خلاصها ويجب أن تعمل على ذلك مثلها مثل أي رجل مسلم. 

ما هي واجباتها المحددة تجاه الله تعالى؟ إنَّ ذلك يعتبر في حد ذاته موضوعاً واسعاً ولا يمكنني تناوله حتى بطريقة عابرة. وحتى لو كان لدي الوقت فإنني لا أستطيع الإجابة على هذا السؤال بالنسبة للجميع. إنَّ لكل شخص أسلوبه المختلف في صلته مع الله تعالى. فطبقاً للبعض يُعد إعلان الإيمان، وإقامة الصلوات خمس مرات في اليوم، ودفع الزكاة، وأداء الصيام في شهر رمضان، وأداء الحج مرة في الحياة هو خلاصة واجبهم تجاه الله تعالى !!. 

وطبقاً لبعض آخرين –مثل رابعة التي كانت شديدة الحب لله تعالى والتي تُعتبر صلواتها شعراً من أجمل ما وضع- يعتبرون حب الله تعالى شاملاً تماماً ويترفعون بأنفسهم عن التطلع إلى أي أجر. 

ولقد كانت كلمات رابعة الخالدة وهي: (إلهي إذا كنت أعبدك خوف النار فاحرقني بنارها أو طمعاً في الجنة فحرمها عليّ، وإذا كنت لا أعبدك إلا من أجلك فلا تحرمني من مشاهدة وجهك) تُعد مثالاً للإيمان الخالص. وإنني شخصياً أؤمن أن أفضل تعبير يوجد حول علاقة الإنسان مع الله سبحانه من الممكن أن نجده في تقاليد الإسلام الصوفية. وهنا يكون من الضروري أن أقدم تحذيراً فإن الإسلام يحتوي على أكثر من مجرد تقاليد صوفية متميزة، إن ما يتضمن بصفة عامة تحت اسم الصوفية يُعد في رأيي – جزئياً إن لم يكن كلياً - مضاداً تماماً لروح التعليمات القرآنية.

[بين الصوفية والتصوف القرآني]

ومن الصعب للغاية أن نتناول موضوعاً معقداً تماماً في مساحة صغيرة ولكنني سوف أحاول أن أظهر الفارق الأساسي بين الصوفية والتصوف القرآني. 

إن المتصوفين يتصورون البحث عن الله سبحانه بمثابة رحلة، وإن الأربع كلمات الهامة هي الطالب والمطلوب والأساس والهدف. وإنه لا يوجد أي التباس في الإسلام مثله مثل المعتقدات التوحيدية الأخرى، فيما يتعلق بالطالب والمطلوب. إن الطالب هو المؤمن الملتزم والمطلوب هو الله سبحانه. حينئذ فإن هذين التعبيرين يعنيان نفس الشيء في كل من الصوفية والتصوف القرآني. ويمكننا وصف ذلك الأسلوب بطرق عديدة ولعل أفضل وصف له هو الحب. ويبدو أن الحب هو أسلوب الصوفي وأيضاً التصوف القرآني. وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يكون كل من هذين التعليمين مختلفين تماماً كل عن الآخر؟ حتى نرى الفارق بين هذين التعليمين فإننا نحتاج أن نعرف المعنى الذي يضيفه الصوفيون والمتصوفون القرآنيون على الحب. 

بالنسبة للصوفيين، يدفع الحب الطالب إلى إفناء نفسه (ويصبح ذلك هدف الرحلة التصوفية). إن الصوفي ينشد الله سبحانه وبعد أن يجد الله تعالى، يفقد نفسه في الله مثلما يحدث لقطرة من الماء تقع في المحيط. وهكذا فإنَّ بحثه عن الله يتضمن اعتزال العالم وإلغاء شخصيته (وهذا ما يُحرِّمه الإسلام). 

[معنى الحب في القرآن]

أما في التصوف القرآني، فإنَّ الحب لا يتم تعريفه في إطار إلغاء الشخصية، وإنَّ التعريف الأفضل له هو (البقاء). وحتى أوضح الفارق بين نوعي الحب هذين سوف أقدم مثالاً للحب الإنساني – يعتقد بعض الناس أن حب شخص لآخر يعني الاندماج معه بطريقة تجعل الشخص يفقد ذاتيته، في حين يعتقد آخرون أن الإبقاء على شخصية الفرد يُعدُّ شرطاً ضرورياً للحب، لأنك لو لم تكن أنت بذاتك وأنا بذاتي فلا يمكن أن تكون علاقتنا ذات معنى. 

وكما أكد المتصوفون مثل الغزالي، والرومي، وإقبال، فإن الحب يؤدي إلى تماسك وتقوية النفس ولذلك فإنه هو أساس لشخصية الإنسان وليس لإنكارها.

إن هدف التصوف القرآني يتم تحقيقه عندما يدرك المتصوف وجود الله تعالى في داخل نفسه فيصبح مدركاً بأن رسالته في الحياة هي إظهار الحقيقة العظمى التي أوحيت إليه. وكل مسلم – رجلاً كان أم امرأة - يدعي للشهادة بالتوحيد بالله تعالى (أشهد أن لا إله الله..) وأنه ليس من الممكن قول تلك الشهادة دون وجود الإدراك الداخلي؛ وكل مسلم – سواء كان رجلاً أم امرأة - يجب أن ينشد إدراك الله تعالى في داخل ذاته وعندما يتوفر له هذا الإدراك الداخلي فإنَّ عليه أن يترجمه إلى حقيقة واقعية. 

إن المتصوف الإسلامي الحقيقي يجب أن يجعل رؤيته الصوفية حقيقة واقعة لأننا نعتقد أن الإيمان لا يكون تاماً بدون الأعمال وأن الجهاد هو جوهر الإيمان.

[تتمة المقالة في الجزء الثاني، وهي تتحدث عن العلاقة مع العالم الخارجي]

المصدر: مجلة المسلم المعاصر مجله ، رجب - شعبان - رمضان 1399 - العدد 19 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين