العلاقات الزوجية لايغرَّنك صبرها

مضى على زواجه عشر سنوات لم نجده خلالها يشكو شيئًا في زوجته، بل كان كثير الثناء عليها، يذكرها دائمًا بخير، ويحمد الله على أن رزقه زوجة صالحة مطيعة.

جاءني قبل أيام يخبرني أن زوجته تركت بيتها إلى بيت أهلها، بعد نزاع مرير وقع بينهما.

قلت: كنت تُثني عليها وتذكرها بخير!

قال: ومازلتُ أُثني عليها وأذكرها بخير.

قلت: ماالذي تغيّر؟

قال: ركنتُ على عطائها غير المحدود لي فلم أكن أقابل عطاءها بعطاء مثله؛ كنت أقابل اهتمامها بي بإهمالي لها، وصبرها العظيم بتسخّطي المستمر، وإيثارها لي بأنانيّتي، حتى فاض الكيل كما يقولون فكان انفجارها قبل أيام.

قلت: يعجبني اعترافك بأنك أخطأت حين أهملتها، ولم تُقدِّر عطاءها وتضحيّاتها، وكنتَ أنانيًّا رغم إقرارك بأنها كانت تؤثرك وأولادك على نفسها.

لمعت بعينه دمعه، وقال: لاألومها على ما فَعَلَتْ، بل ألوم نفسي.. لقد ظلمتُها.

هذا الزوج ليس فريدًا، إنه واحد من عشرات الألوف من الأزواج الذين يقابلون عطاءات زوجاتهم غير المحدودة بإهمالهم لهن، وبخلهم عليهن، وانصرافهم عنهن؛ حتى يأتي اليوم الذي يصل فيه صبرهن حَدّه، ويَنفَد عِندهن رصيد العطاء الضخم.

تساءل تقرير يتحدث عن هؤلاء الأزواج: إلى أي مدى يمكن أن تضحّي المرأة من أجل زوجها؟ وهل يمكن أن تستمر في التنازل لإرضائه دون أن يأخذ حاجاتها بعين الاعتبار؟!

وإذا كانت الحياة الزوجية تقتضي أن يُضحِّي أحد الزوجين لتستمر وتستقر فهل يجب أن تأتي التضحية من جانب الزوجة دون الزوج؟ هل يجب على المرأة أن تكون دائمًا هي التي تُعطي والرجل هو الذي يأخذ؟!

يرى استشاريو العلاقات الزوجية أن قدرًا من التضحية أمر ضروري في الحياة الزوجية؛ لكن هذه التضحية ينبغي أن تكون من كلا الزوجين من أجل سعادتهما معًا. أما أن تكون الزوجة هي التي تُعطي دون أن يقابل الزوج عطاءها فإن هذا وإن استمر زمنًا، عُرضة لانفجار مفاجئ ودون مقدمات.

كيف يتقي هؤلاء الأزواج وصول زوجاتهم إلى هذا الانفجار؟ى

لابد أولًا من أن لايغفلوا عنه، وأن يتوقعوه، حتى لا يسمحوا بوصول زوجاتهم إليه.

هذه اليقظة تمنعهم من الركون إلى صبر زوجاتهم عليهم، فيعملوا على كسب وُدِّهن، وإرضائهن، وذلك بما يلي:

التعبير المتكرر عن الشكر والامتنان تجاه مايَقُمْن به، وإبداء الرضا والإعجاب بعطائهن غير المحدود، وإظهار الرغبة الصادقة في مقابلة هذا العطاء بعطاء أكثر منه، أو مثله على الأقل.

ولايكتفي بالتعبير عن هذا بلسانه وحده، بل لابد أيضًا من التعبير العملي بالإكثار من الهدايا، وإعطاء المال، أو وَضعه في حسابها في المصرف إن كان لها حساب فيه.

كذلك اصطحابها في النزهات، والأسفار، ومُجالستها، ومُنادمتها، ومُسامرتها، فهذا يطمئنها بأنه قريب منها، لايشغله شيء، مهما كان، عنها.

وإذا اضطر للسفر وحده، فإن عليه ألا يقطع التواصل معها يوميًّا عبر الهاتف، يسألها عن حالها، ويُعبّر عن شوقه لها، ويعرض عليها أن يُحضر لها معه ماتشتهي من البلد الذي سافر إليه، حتى إن قالت إنها لاتشتهي شيئًا فإن عليه أن يختار ما يجده مناسبًا من هدايا لها ولأبنائهما وبناتهما.

ويبقى أن يشاركها، ولو قليلًا، في أعمال البيت وهو يصف جهدها المتميّز في عملها فيه مُبديًا إعجابه ورضاه وامتنانه.

هكذا يحول الأزواج دون وصول زوجاتهم إلى يوم ينفجرن فيه غاضبات ساخطات تجاه انشغال أزواجهن عنهن، وإهمالهم لهن، وعدم تقديرهم لعطائهن.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين